جدلية الأقصى.. والتمهيد للهدم (٢)

عبد الناصر سلامة الأحد 13-12-2015 21:27

التمهيد لهدم المسجد الأقصى من الطبيعى أن يسبقه ذلك التشكيك الحاصل الآن فى مكانه ومكانته، وأنه ليس المسجد المتعارف عليه الآن بالقدس المحتلة، هى حيلة يهودية صهيونية فى الأساس، بدأت مبكراً، إلا أنها أخذت فى الشيوع منذ احتلال المدينة المقدسة، وقالوا إنه فى مكان آخر، ويجب على المسلمين أن يبذلوا جهدهم للبحث عنه بعيداً عن إسرائيل، وفى مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت، كتب يهودا ليطانى، عام ٢٠٠٥ أن هناك تفسيرات إسلامية أخرى لعبارة المسجد الأقصى على أنه فى مناطق أخرى، ربما كان يقصد منها أنه بالقرب من المدينة المنورة، حسبما كانوا يرددون، أو بعض معتقدات شيعية، تشير إلى أنه فى السماء الرابعة.

الإمام القرطبى فى تفسيره قول الله تعالى (إلى المسجد الأقصى) فى آية، سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله، قال: سُمى الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، ثم قال (الذى باركنا حوله) بالثمار ومجارى الأنهار، وبمن دُفِن حوله من الأنبياء والصالحين، وبهذا جعله مقدساً.

وفى تفسير القرطبى ما ينفى وقوع المسجد الأقصى بالقرب من المدينة المنورة، أو بالجزيرة العربية أساساً، التى كانت صحراء جرداء، لا كلأ فيها ولا ماء، كما أنها لم تكن أبداً ملتقى لدفن الأنبياء، بل إن هذه وتلك تنطبق تماماً على القدس، وما حولها من أرض فلسطين تحديداً، كما أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة فيه تعادل خمسمائة صلاة فى غيره، يدحض المعتقد الشيعى أيضاً.

الإمام ابن كثير قال فى تفسيره إن المسجد الأقصى هو إيلياء القدس، معدن الأنبياء، من إبراهيم الخليل، ولهذا جُمِعوا له (للرسول) هنالك، فأَمهم فى محلتهم ودارهم، وكانت فى الإسراء دلالة على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى، وهو المعبد العريق فى القدم، هى الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة التى أمّ رسولها سائر الأنبياء.

وقد سميت السورة التى ذكر فيها المسجد الأقصى، سورة (الإسراء)، وجاء فيها قول الله تعالى لبنى إسرائيل (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)، أى إن عدتم للإفساد، عدنا عليكم بالعقوبة، ففى هذه الحادثة إلغاء أبدى لصفحة بنى إسرائيل، من سجل التفضيل والاصطفاء.

فى الوقت نفسه، روى الحاكم فى صحيحه، أن سيدنا سليمان عليه السلام، سأل ربه ثلاثة: «ملكًا لا ينبغى لأحد من بعده، وسأله حكمًا يوافق حكمه، وسأله ألا يؤم أحد هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه إلا غفر له» ولهذا كان عبدالله بن عمر رضى الله عنه يأتى إليه فيصلى فيه ولا يشرب فيه ماء، لتصيبه دعوة سليمان، لقوله: «لا يريد إلا الصلاة فيه». فإن هذا يقتضى إخلاص النية فى السفر إليه ولا يأتيه لغرض دنيوى ولا بدعة، وبالتالى فإن ابن عمر كان أولى الناس فى ذلك الوقت بمعرفة موقع المسجد الأقصى، إذا كانت هناك مواطن خلاف من أى نوع، بل إن سيدنا عمر بن الخطاب نفسه، كان أولى الناس بذلك.

وحول المسجد الأقصى وفيه، الطائفة المنصورة، التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لعدوهم، قاهرين لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك)، قالوا وأين هُم يا رسول الله؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وهم يستعدون للمعركة الكبرى التى يقاتل فيها المسلمون اليهود حتى ينادى الحجر والشجر، أن يا مسلم خلفى يهودى تعال فاقتله.

ومن هنا، فإن تحرير بيت المقدس، يصبح فريضة، لا يجوز لأحد التنازل عنها، بعد أن أصبحت أرضاً إسلامية منذ الفتح الإسلامى فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وتسلمه مفتاح المدينة، وأن أى تنازلات، أو حتى مفاوضات حول حلول وسط فى هذا الشأن، هى إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، يُعاقب فاعله.

كيف نفسر إذن، وكيف نتعامل مع تلك الحملة التى تتبنى وجهة النظر اليهودية بالتشكيك فى مكان المسجد الأقصى، وهى الحملة التى وجدت آذاناً صاغية، ولم تجد مواجهة من رجال الدين، أو من الأزهر تحديداً على القدر الذى تمثله من خطورة فى هذا التوقيت بالذات، والذى تتهيأ فيه الدولة الصهيونية إلى هدم المسجد بالفعل، تحت مزاعم واهية، وفى ظل ضعف عربى وإسلامى عام، وتواطؤ دولى صارخ.

أعتقد أن الأمر فى مجمله يحتاج إلى وقفة رسمية قبل فوات الأوان، خاصة أن الأوضاع الراهنة لا تتحمل وقفات شعبية من أى نوع.

غداً نستكمل.

abdelnasser517@gmail.com