المرآة الانتخابية

عبد المنعم سعيد السبت 12-12-2015 21:27

فى كل بلدان العالم الانتخابات هى «المرآة» السياسية للمجتمع طالما كانت نزيهة، أى حقيقية ذهب فيها المواطنون إلى صناديق الاقتراع، وقاموا بالاختيار، وكانت النتيجة هى ما اختاروه. أما ما يقال عن «المال السياسى»، والعصبيات، وتراث الحزب الوطنى، وأمثالها من أقوال، فإن «المرآة» تكون عاكسة لها، ولا تستطيع تجاوزها وإلا كانت المرآة مقعرة أو محدبة تعكس صورة غير حقيقية، بل مضحكة أحيانا للمجتمع. ولا توجد طريقة فى الفكر السياسى تستطيع فك العلاقات العائلية والقبلية، والتقاليد التاريخية لدائرة انتخابية، اللهم إلا التقدم، والتعليم، والتغيير الاقتصادى والاجتماعى طويل المدى؛ وساعتها فإن الانتخابات أيضا سوف تعكس هذه الدرجة من التطور بقدر ما عكسته الانتخابات الأخيرة من صعود دور المرأة والأقباط والشباب ورجال الأعمال، وتراجع اليسار وجماعات الإسلام السياسى، وأنصار الحزب الوطنى السابقين.

ما تراه هو ما تحصل عليه، ولا ينفع كثيرا لطم الخدود، لأن أقلية فقط لا تزيد على ٢٩٪ ممن هم فى سن التصويت قد ذهبت إلى صناديق الاقتراع. ففى وقت ذروة «المشاركة السياسية» فى ثورتى يناير ويونيو على الترتيب، فإن عدد المشاركين كان ٢٢ مليونا، ثم ٣٠ مليونا؛ وهو ما يعنى فى الحالتين أن ٣١ مليونا و٢٤ مليونا لم يشاركوا فى الحالتين، واختاروا كما قيل أن يكونوا حزبا جديدا لا يراه أحد على الأقل فى الشوارع والميادين جرى تسميته «حزب الكنبة». لا يوجد جديد إذن، وما فعلته الانتخابات أنها عكست الواقع السياسى فى البلاد كما هو، وليس كما تتمناه جماعة من الساسة، أو تريد تفصيله وتركيبه جماعة أخرى. من يريد تغيير ذلك فإن عليه النزول إلى الشارع السياسى، ويكون لديه من القدرات السياسية والفكرية، ما يجعله ملهمًا لجمع كبير لكى يغادر مقعده ويذهب إلى صناديق التصويت. ليس معنى ذلك أن نسبة المشاركة الانتخابية المتواضعة من الأمور المستحبة فى الدولة، بل على العكس فإنها تنضم إلى الأمور الأخرى السلبية التى تصف مجتمعنا مثل الفقر ونقص النمو وتواضع المكانة فى كل مؤشرات التقدم المعروفة فى العالم.

صورة المرآة لا تخدع أحدا، وهى فى ذاتها تعطينا القدرة على بداية جديدة نتعامل فيها مع التحديات التى نواجهها دون تشويه أو خداع. هى بداية تجمع معا الحقائق الكبرى التى تستند إليها بلادنا من وعى سياسى، وتقدم اقتصادى واجتماعى، ونضج فكرى وثقافى؛ والتطورات التى جرت فى البلاد منذ انطلاقة عهد الثورات مع مطلع العقد الحالى. هذه «خلطة» لا بأس بها من حيث «الأصالة» و«التمرد»؛ والاستسلام للواقع، والخروج عليه؛ والوقوف على الأرض الصلبة، والتحليق إلى آفاق بعيدة. الكارثة سوف تكون إذا ما قررت جماعة منا كسر المرآة بحيث يعكس ما تبقى منها صورة مشوهة للواقع المصرى.

بعض التفاصيل واجب عند هذه النقطة، فالانتخابات النيابية لم تعكس وجود أغلبية سياسية من أى نوع؛ ولا يمكن الزعم بأن «المستقلين» الذين حصلوا على ٥٦٪ من المقاعد يمثلون «أغلبية» لأن المستقل بحكم التعريف لا يوجد لديه موقف سياسى شامل يمكن على أساسه التنبؤ بما سوف يصوت عليه فى مجلس النواب. هو فى حقيقته يعتمد على حكمته السياسية فى التعامل مع كل موضوع على حدة، وفقا لمعطيات الموقف وما يراه محققا للمصالح الوطنية أو المحلية. من الممكن أن يكون ليبراليا فى قضايا حقوق الإنسان، ولكنه سوف يكون اشتراكيا عندما يصوت لدور كبير للدولة فى إدارة الاقتصاد. ولا يمكن الزعم بأن هناك أغلبية فى كتلة ليبرالية تضم أحزاب المصريين الأحرار (٥٧ مقعدا) ومستقبل وطن (٤١) والوفد الجديد (٣٦) وإجمالى المقاعد فيها ١٣٤ مقعدا. هنا فإن محاولة خلق أغلبية من خلال الجاذبية التى تتمتع بها «الدولة» يكون فى حقيقته تجاوزا لنتائج الانتخابات، ومحاولة للرجوع بنا إلى ما كان من وجود حزب مهيمن أو جماعة سياسية مهيمنة. ولا يمكن الدفع هنا بأن تكوين «ائتلاف» تكون أغلبيته من المستقلين هو ترجمة لمواقف الناخبين لأن الحقيقة لم تكن كذلك من ناحية؛ ولا يوجد ما يقنع بأن هناك تآلفا موجودا بين جماعة من النواب لم تعرف بعضها، ولم تتقاطع طرقها وتصويتها بعد أن يعمل البرلمان.

وبصراحة أكبر فإن حدوث ذلك سوف تكون له نتائج وخيمة ليس فقط على السمعة الخارجية لمصر من زاوية الطعن فى تطورها الديمقراطى؛ بل أيضا تأكيدا لمواقف «حزب الكنبة» الذى ستؤكد النتائج وجهة نظره فى أنه لا ينبغى مرة أخرى أن توجد جماعة تحتكر فى العصر الجديد «دعم الدولة» الذى هو واجب كل المواطنين وكل النواب. مثل ذلك للأسف سوف يعنى نهاية عمل مجلس النواب قبل أن يبدأ، فحيث توجد أغلبية ميكانيكية؛ لا توجد ممارسة ديمقراطية، وإنما جماعة «موافقون» التى سوف تتحمل المسؤولية التاريخية عن نهاية أمل كان ممكنا له أن يثمر!.