البحث عن جثة

رجب جلال الخميس 10-12-2015 21:19

3 أسر قوامها 16 فرداً ما بين رجال ونساء وأطفال يستقلون سيارة ميكروباص على طريق القاهرة- الواحات فى طريقهم إلى «لقمة عيش» ، وقبل منتصف الطريق تنقلب السيارة بعد اصطدامها بسيارة نقل ضخمة محملة بالزلط، ثم تشتعل فيها النيران، ليلقى 12 شخصاً مصرعهم، وينجو 4، بينهم 3 حالاتهم خطرة، وبعد نحو ساعتين تصل سيارات الإسعاف وتنقل الضحايا بين موتى ومصابين إلى مستشفيات 6 أكتوبر المركزى والشيخ زايد التخصصى وقصر العينى الفرنساوى، وبعد ساعات أخرى يحضر المئات من أهالى الضحايا لتسلم جثث أبنائهم، ومصابيهم، وكانت ليلة حزينة وحالكة السواد.

من الساعة 7 مساء حتى 6 صباحاً هناك جثة تائهة، فمستشفى أكتوبر استقبل 8 جثث، وثلاجة الشيخ زايد التخصصى بها 3، والأخيرة- وكانت لطفل لم يتجاوز العاشرة من عمره- غير معروف مكانها أو مصيرها، ولما كان أغلب الجثث متفحمة وشديدة التشوه، لم تستطع أى من الأسر الثلاث تحديد أبنائها بدقة، واعتمد كل منهم فى حجته على مقاييس الطول وضخامة الجسد ليحصل على جثثه كاملة، وسط رفض الباقين أن يعودوا إلى الصعيد بـ«جثة ناقصة»، وعبثاً حاول مأمور قسم شرطة 6 أكتوبر الوصول إلى حل، وحضر رئيس النيابة إلى المستشفى، وبعد مفاوضات ومشادات ومشاجرات توصل إلى حل وسط، إصدار تصاريح دفن للجثث غير المختلف عليها، واحتجاز المشوهة لإحالتها إلى الطب الشرعى، يرافقها شخصان من كل أسرة، على أن يكونا أقارب من الدرجة الأولى للضحية، لإجراء تحليل الحامض النووى، لإثبات تبعية المتوفى، ما يعنى أنه فى كل الأحوال ستحصل إحدى الأسر على جثث أقل من عدد ضحاياها.

اتصالات لم تنقطع بالمستشفيات الثلاثة، وطاقم الإسعاف الذى توجه لموقع الحادث، وقوة الشرطة التى رافقته، لمعرفة مصير الطفل المختفى أو جثته، وإعادة فحص الجثث فى المشرحة مرات ومرات، دون جدوى، ودون مراعاة لمشاعر أهالى الضحايا وغضبهم المبرر، بسبب فقدان طفل توفى أبوه وأمه وأشقاؤه الثلاثة، ولم يغفر لهم مسؤول حرصهم على العودة إلى قراهم بجثث أبنائهم كاملة، وإنما عاملوهم بغلظة غير مبررة، ربما لأنهم يرتدون «الجلاليب» فى بلد لا يحترم إلا الملابس الفاخرة والعربات الفارهة.

11 ساعة كاملة من البحث فى دوائر مفرغة دون نتيجة، ورضخ الجميع لقرار رئيس النيابة، وعادت الأسر الثلاث بالجثث واضحة المعالم، وتوجه بعض الأقارب من الأسر الثلاث إلى الطب الشرعى لتحديد تبعية جثتين، وبقى مصير الثالثة غامضاً، حدث ذلك ونحن فى الألفية الثالثة، ونحن نزعم أننا سبقنا العالم فى العلم، وأننا نجلس فوق أريكة وثيرة محشوة بسبعة آلاف سنة حضارة.

إذا كنا بكل ما نزعمه من قدرة بحثية وتقدم علمى وترابط محكم بكل مستشفياتنا وعربات إسعافنا وغرف طوارئنا، لم نعرف مكان جثة طفل، فكيف لنا أن نصل إلى نتيجة فى حادث الطائرة الروسية، وإذا لم نكن قادرين على تفنيد حجج موسكو بأن الطائرة تفجرت بقنبلة، فلنصمت إذا لم يكن بوسعنا أن نقول خيراً من كلامها.