يبدأ اليوم، بالعاصمة السودانية، الخرطوم، وعلى مدار يومين أول اجتماع من نوعه في ملف سد النهضة الإثيوبى حيث يجتمع ٦ وزراء للخارجية والمياه بمصر والسودان وإثيوبيا، بناء على طلب القاهرة لبحث كيفية تنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالسد، فيما أكدت مصادر سودانية أن المفاوضات الجارية تهدد الأمن المائى للقاهرة والخرطوم لأنها تعتبر تحول من السد غير الشرعى إلى عمل مشروع برعاية مصرية سودانية.
وقال الدكتور علاء ياسين، مستشار وزير الرى للسدود، إن القاهرة ستعرض رؤيتها لحل الأزمة المتعلقة بعدم التوصل لتوافق بين المكتبين الدوليين الفرنسى والهولندى، نتيجة إصرار كل من مصر وإثيوبيا على موقفهما، حيث ترفض مصر انفراد المكتب الفرنسى بالدراسات، لأن وزراء الرى بالدول الثلاث، أقروا ووافقوا على توزيع الدراسات على المكاتب الاستشارية والتراجع عن القرار خطأ قانونى.
وأضاف ياسين، في تصريحات، الخميس، أن المكتب الهولندى رغم حصوله على 30% من الدراسات المطلوبة يملك النماذج الرياضية المختصة بدراسة حركة مياه النيل داخل دول الحوض في حال رغبة أي دولة في إنشاء سد أو مجموعة من السدود لتوليد الكهرباء، ما يساعد على اختصار الوقت والجهد في التوصل لرؤية علمية متكاملة حول الآثار السلبية للسد الإثيوبى بالسعة التي أعلنت عنها حكومة أديس أبابا.
وتابع أن الاستعانة بمكتب آخر من قائمة المكاتب التي تم استبعادها في أبريل الماضى، سيؤدى إلى الخروج بنتائج غير دقيقة، وغير متوازنة لما يمثله ذلك من تعارض للشروط المرجعية لاختيار المكاتب التي وضعتها اللجنة الوطنية الثلاثية، فضلاً عن إهدار مزيد من الوقت في اختيار مكتب.وحذر الدكتور نصر الدين علام، وزير الرى الأسبق، رئيس المجموعة الوطنية لحوض النيل بجامعة القاهرة، من تركز مناقشات الخرطوم حول تنفيذ مقترح اختيار مكتب استشارى ثالث، من القائمة المختصرة، التي سبق اختيار المكتبين الفرنسى والهولندى منها، موضحا أنه أمر غير منطقى والأفضل هو العودة إلى أعضاء اللجنة الدولية التي أصدرت تقريرها في مايو 2013، وتكليفهم بإجراء الدراسات التي طالبوا بها في تقريرهم مع الاستعانة بمن تراه من الخبراء الدوليين على أن تكون النتائج ملزمة للجميع وهذا هو مفهوم التحكيم الودى الذي قامت على أساسه الشروط المرجعية لعمل اللجنة الثلاثية للسد على أن تنتهى الدراسات خلال 6 أشهر.
وطالب علام، في تصريحات، أمس، إنه بتدخل القيادة السياسية في الأزمة والاتفاق بشكل مباشر مع الجانب الإثيوبى على إيقاف الإنشاءات عند المرحلة الأولى، التي تتضمن تخزين 14 مليار متر مكعب خلف السد لحين وصول نتائج الدراسات، وفى هذه الحالة تكون مصر مستعدة لتعويض إثيوبيا عن غرامات التأخير للشركة المنفذة، مع وضع آليات سياسية وفنية للتعامل مع النتائج.
وحذر الدكتور محمد عبدالعاطى، خبير المياه الدولى، الرئيس السابق لقطاع مياه النيل، من المراوغات الإثيوبية التي تحاول إغراق الاجتماع في التفاصيل، كأن تطلب إعادة الحوار بين المكتبين للوصول إلى توافق، ثم تضغط على المكتب الفرنسى لتحديد مهام المكتب الهولندى بدقة ووضوح، رغم رفض تحديدها خلال فترة التفاوض السابقة، وعندما توافق مصر يدخلها في تفاصيل أخرى بتعطيل تزويد المكتبين بالبيانات المطلوبة عن المشروع، ثم يوفرها بعد استنزاف الوقت حتى يصبح السد أمراً واقعاً.
وقال «عبدالعاطى» لـ«المصرى اليوم»، إنه يجب على المفاوض المصرى في الاجتماع السداسى الدخول مباشرة في تفاوض سياسى حول آليات متابعة تشغيل السد، بأن تتفق القاهرة، وأديس أبابا وبحضور الخرطوم، على فترة التخزين للمرحلة الأولى من السد، وعلاقتها بفترات الفيضانات العالية والمتوسطة التي تتعرض لها الهضبة الإثيوبية وكذلك فترات الجفاف وقواعد تشغيل السد طوال العام في كل مرحلة، وأن تكون مرحلة تنفيذ هذا الاتفاق السياسى، مرحلة لبناء الثقة بحيث إذا نجح الفنيون بالدول الثلاث في إدارة هذه المرحلة بالكفاءة المطلوبة يتم الإعلان عن تشكيل هيئة فنية ثلاثية من الخبراء الوطنيين بالدول الثلاث تكون مسؤولة عن إدارة النيل الأزرق لصالح التنمية.
وأضاف عبدالعاطى، أنه إذا ثبت عدم وجود أضرار على دولتى المصب من المرحلة الأولى، تبدأ مرحلة تفاوض سياسى جديدة لتنفيذ المرحلة الثانية من إنشاءات السد، أما إذا ظهرت أضرار وتم الاتفاق على الاكتفاء بالمرحلة الأولى فقط، هنا يكون التفاوض حول آليات تعويض إثيوبيا عن المشروع.
وشدد عبدالعاطى على أن التفاوض السياسى يجب أن يتضمن الاتفاق بين القاهرة وأديس أبابا على تعظيم الاستفادة من الطاقة الكهربائية المنتجة من السد في مرحلته الأولى سواء من حيث شرائها أسوة بالاتفاق الذي تم بين السودان وإثيوبيا، وكذلك مساندة القاهرة لأديس أبابا لتسويق هذه الطاقة وربطها بالشبكة الموحدة المصرية التي تمتد على مستوى المنطقة العربية وأوروبا، وهو مكسب تسعى إثيوبيا إلى تحقيقه في ظل عدم قدرة دول الجوار الإثيوبى على شراء الكهرباء الإثيوبية لارتفاع تكلفة إنشاء شبكات جديدة لاستقبالها وتوزيعها.
وكشف الدكتور عاصم فتح الرحمن الحاج، الخبير في الشؤون الإفريقية ودول حوض النيل، عن انتهاء الحكومة الإثيوبية من مد شبكة الكهرباء من السد بأقليم بنى شنقول مرورا بمنطقة المتمة، في الأراضى الإثيوبية حتى منطقة القلابات في السودان وذلك من خلال شركة فرنسية.
وقال فتح الرحمن الحاج، لـ«المصرى اليوم» إن أديس أبابا تنظم احتفالات لتوفير الدعم المادى لإنشاء السد بهدف المشاركة الشعبية في التمويل، وذلك بالاستفاد بالنموذج المصرى في بناء السد العالى بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مشيراً إلى وجود خطة إثيوبية لتحقيق نهضة اقتصادية قائمة على الشراكة الاستراتيجية مع السودان بزراعة آراضى شاسعة في المناطق المتاخمة لمنطقة سد النهضة شرق السودان، لتكون نواة للتنمية لتخدم شعوب البلدين، لافتاً إلى إمكانية مشاركة مصر بخبراتها الزراعية ليصبح المشروع الزراعى هو الأكبر في إفريقيا.
وأوضح أن المشروع الذي تم الانتهاء من تنفيذ مخططه، يبدأ من جنوب شرق السودان وينتهى حتى الشمال في الحدود الإريترية السودانية الإثيوبية، لافتاً إلى أنها منطقة تجود فيها الزراعات التجارية، وتعد من أخصب أراضى السودان، وتتميز بأنها منطقة مطيرة، حيث تسقط الأمطار ٦ أشهر سنوياً.
وأشار إلى أن مصلحة إثيوبيا تقتضى إنشاء مشروعات كهربائية وزراعية في هذه المناطق، حتى لا تتعرض لموجات من الغضب الثورى من مواطنى هذه المناطق في عدم تنميتها مع استمرار الزيادة السكانية والمعاناة من فجوة غذائية، منبهاً إلى أنه يجب على الدول الثلاث السير في اتجاه التنمية بما يخدم البلدان الأفريقية باعتبار أن سياسة إثيوبيا تقوم على التعاون والتكامل الإفريقى لخدمة مصالح الشعوب.