مخططات الإفلاس

عبد الناصر سلامة الأربعاء 09-12-2015 21:27

قالوا إن القلاقل من حولكم تتسارع، بما يستوجب التعاقد على مزيد من صفقات السلاح، والسدود الأفريقية على نهر النيل تتزايد، بما يستلزم البحث عن مصادر أخرى للمياه، وأهمية قناة السويس آخذة فى التراجع، بما يتطلب البحث عن مصادر أخرى للعملات الأجنبية، والسياحة فى خبر كان، بما يزيد من حدة الخسائر وتَعطُّل قطاع عريض من العمالة، ثم جاءت الطامة الإسرائيلية بذلك الحُكم الدولى، الذى يُلزم مصر بتعويض قدره 1.7 مليار دولار، قد تُضاف إليها 288 مليوناً أخرى، أى ما يصل إلى نحو 17 مليار جنيه، بخلاف 32 قضية أخرى مرفوعة ضد مصر، يصل حجم التعويضات فيها إلى 150 مليار دولار، وهناك العديد من القضايا الأخرى التى لم يتم إدراجها حتى الآن، بخلاف استنزاف الإرهاب فى سيناء، وظهور دواعش أخرى على الحدود الليبية.

بماذا يمكن تفسير كل ذلك متزامناً مع التراجع المستمر فى قيمة الجنيه، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وتوجس المحلية؟ بماذا يمكن تفسير التراجع الكبير فى أسعار النفط، والذى ألقى بظلال سلبية على المساعدات التى كانت تصل مصر من بعض الدول النفطية؟ بماذا يمكن تفسير قرار إلغاء بطولة العالم للاسكواش التى كانت سوف تستضيفها مصر هذا الشهر، بعد انسحاب 11 دولة، بحجة الإرهاب، على الرغم من انتخاب مصر رئيساً للجنة الإرهاب بالأمم المتحدة، فى نفس الشهر؟!

كل ذلك يأتى وسط مخططات وجهود دؤوبة لاستنزاف قواتنا واقتصادنا فى حروب متعددة على جبهات مختلفة، من بينها تلك التصريحات الأمريكية الرسمية، حول أهمية الاستعانة بمائة ألف جندى مصرى لخوض حرب برية فى سوريا، وجهود سعودية للاستعانة بآلاف الجنود المصريين لخوض حرب برية فى اليمن، إضافة إلى تكثيف التواجد الداعشى على حدودنا الغربية داخل الأراضى الليبية، تمهيداً لمواجهة برية لن تمثل نزهة لقواتنا فى كل الأحوال، ثم تأتى تصريحات الرئيس السودانى عمر البشير فى هذا التوقيت حول سودانية حلايب، وتقديم شكوى للأمم المتحدة فى هذا الصدد، لتؤكد هى الأخرى أننا أمام مخطط واضح وغير مسبوق، يستهدف فى النهاية الدفع بمصر نحو الإفلاس، للموافقة على كل شىء، وأى شىء، فى إطار تنفيذ المخططات الخارجية للمنطقة.

أعتقد أنه بات من الضرورى تسوية النزاعات الداخلية مع مواطنينا على الأقل، والتى وصلت إلى المحاكم الدولية، وحتى التى لم تصل، وذلك لتحقيق السلام الاجتماعى من جهة، ومن جهة أخرى تجنباً لذلك المأزق الذى نضع أنفسنا فيه بين الحين والآخر، بخسارة مثل هذه القضايا، التى تكلف الدولة أموالاً لا طاقة لها بها، نتيجة البيروقراطية والروتين أحياناً، ونتيجة تعنت غير محسوب العواقب أحياناً أخرى، مادام المسؤول عن ذلك التعنت خرِب الذمة والضمير، يعى فى النهاية أنه لن يسدد من ماله الخاص، وإنما الدولة هى التى سوف تتحمل عواقب ممارساته.

فى الوقت نفسه، تصبح التكتلات الإقليمية فى هذه المرحلة أكثر أهمية فى مواجهة ذلك الطوفان القادم، من أقصى الشرق وأقصى الغرب على السواء، والذى لم يستنزف إمكانيات المنطقة مادياً فقط، بل بشرياً أيضاً، فى صور مختلفة، ما بين قتلى، وجرحى، ومشردين، ومهجرين، وهو الأمر الذى كان يتطلب إعادة إحياء جامعة الدول العربية من جديد، وإعادة النظر فى منظومة العمل داخل مجلس التعاون الخليجى، بل تنشيط منظمة الوحدة الأفريقية وغير ذلك من المنظمات السياسية والتكتلات الاقتصادية، التى يمكن أن تؤدى دوراً ما فى هذا الشأن.

أما وقد عزفت كل عاصمة بمفردها، فالخطر أصبح يتهدد الجميع، ومع ذلك لم يظهر على الساحة الإقليمية حتى الآن مَن يمكن أن يأخذ بزمام المبادرة لقيادة الدفة، وأعتقد أن مصر لاتزال هى الدولة المؤهلة لذلك، رغم العثرات الكبيرة، إلا أن الأمر يتطلب قبل أى شىء، جبهة داخلية قوية.

abdelnasser517@gmail.com