على طريق توشكى الغامض

مي عزام الأربعاء 09-12-2015 21:27

مبروك لمصر، تمت 90 مليون نسمة على عهدة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ما شاء الله معدل النمو السكانى فى مصر يبلغ 2.55 %، والدولة والحمد لله مازلت تعالج الزيادة السكانية بأفكار ومشاريع «حسنين ومحمدين» التى نجحت فى القرن الماضى دون الأخذ فى الاعتبار عامل الزمن.

ذكرنى الأمر بصديق لأبى رحمه الله، أفنى جزءًا كبيرًا من ثروته وميراثه على ترميم بيت العائلة فى قريته، حوله لبيت عصرى وأثثه من جديد، فعل ذلك ليجتمع فيه الأبناء والأحفاد كل جمعة، حدث ذلك فى البداية وانتهى الأمر بزيارة يتيمة فى عيد الأضحى للقرية التى تبعد كثيرا عن القاهرة، جاء الرجل يشكو لأبى الذى أجابه مبتسما: «قلت لك يا حسين، بدل اللى دفعته هناك كنت اشتريت بيت بجنينة هنا وريحت نفسك وعيالك».

تذكرت عمى حسين وأنا أقرأ خبر تكوين شركة برأس مال 8 مليارات لإدارة مشروع المليون ونصف المليون فدان، أحيانا تظل الأحلام القديمة تراودنا دون أن ندرك أنها لم تعد ملائمة لواقعنا، فالمشروع ليس بجديد فهو حلم يتجدد: الوادى الجديد وتوشكى وممر التنمية، الصورة التى توارثناها أن مصر بلد زراعى فى المقام الأول وكانت صومعة الغلال لروما ولابد من أن نعيد المجد القديم.

والعجيب أن كل الحكومات السابقة غضت الطرف عن تبوير الأراضى الزراعية وتجريفها، وكانت النتيجة زيادة المناطق العشوائية وانحسار رقعة الأرض الزراعية، والآن نبحث عن زيادة الرقعة الزراعية باستصلاح الصحراء وحفر الآبار وهو ما يحتاج لأموال طائلة والعائد الاقتصادى سيكون طويل المدى وغير مضمون، ولن ينجح استصلاح الأراضى فى حل مشكلة البطالة وتأسيس مجتمعات عمرانية جديدة وكثيفة.

لدينا فى ظروفنا الحالية خيار قد يكون أفضل، أن نستثمر ما نجحنا فيه: شبكة طرق جديدة مع توفر الطاقة؛ كهرباء وغاز، يمكن إنشاء مئات المناطق الصناعية الصغيرة على أطراف هذه الطرق، صناعات صغيرة كثيفة العمالة تراعى احتياجات السوق المحلية والدولية بمعايير جودة عالمية وبجوارها مجتمعات عمرانية متكاملة، ويمكن إنشاء شركة لإدارة هذه الصناعات كما كان مزمعا بالنسبة للمليون ونصف المليون فدان.

مشاريع استصلاح الأراضى التى تحمست لها الدولة من قبل، انتهى الحال بإهمالها وعدم متابعتها، وبدلا من البدء بمشروع قد يطاله الإهمال بعد حين، فلماذا لا يكون هناك جهاز قومى لمتابعة هذه المشاريع، وعلى رأسها مشروع توشكى الذى كان يهدف لاستصلاح ما يزيد على نصف مليون فدان مبدئيا، وكان جزءا من خطة الدولة للتوسع الزراعى والتى تستهدف زراعة ‏3.4‏ مليون فدان حتى عام‏2017،‏ وتم استثمار مليارات فيه ولم نسمع عن عائد له.

فى يوليو من العام الماضى، زار المشروع المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء حينذاك لبحث وتقييم الوضع والوقوف على أسباب توقف المشروع، وللتذكرة محطة رفع توشكى تكلفت وحدها حوالى 6.4 مليار جنيه فى زمن مبارك، وبناء على تصريحات محلب كان من المفروض أن يُرسل تقريرٌ عن المشروع للعرض على الرئيس السيسى يتطرق للمعوقات التى تتمثل فى تعثر بعض الشركات لعدم توفر السيولة اللازمة، بالإضافة لمقترح بضرورة ربط المشروع بالوادى بشبكة طرق وتوفير مكونات جذب لخدمة المستثمرين... الخ.

مر أكثر من عام على زيارة محلب لتوشكى ولم نعرف على وجه الدقة ما آل إليه الأمر، مشروع أنفقنا عليه مبالغ طائلة، مر عليه أكثر من 18 سنة ولم نستفد منه.

أخشى من تكرار الأمر مع مشروع المليون ونصف المليون فدان الذى يحتاج أيضا لاسثمارات بالمليارات، لماذا نبدأ مشروعا جديدا بدلا من استكمال المشروع القديم والسعى لإنجاحه ليخرج من عثرته؟، ويمكن للدولة أيضا أن تساعد المستثمرين فى مجال استصلاح الأراضى ودعمهم ماديا وعلميا لتحسين إنتاجيتهم مما يؤدى إلى ارتفاع معدلات الإنتاج لنفس الرقعة الزراعية.

أخشى أن يكون الموضوع مجرد حلم متكرر يراود كل رئيس بأن يبنى بيتا للعائلة حتى لو لم يستفد منه الأبناء والأحفاد.

ektebly@hotmail.com