وطمأنتنى السيدة «أنيسة حسونة» هاتفياً على صحة السير مجدى يعقوب، كانت شائعات عقور أفزعتنى ليلاً بخبر وفاته، سبحان الله، كل قامة مصرية تبنى صرحاً تتعقبها الشائعات المميتة، يريدونها خراباً يباباً، أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون، رد الله كيدهم فى نحورهم.
لك طولة العمر، قبل سنوات لاكت الشائعات جراحات أجراها السير يعقوب لأطفال بالإسكندرية، مقاولو الهدم سنحت لهم فرصة كافية لهدم بنيان شامخ، وتصديت لتحقيق حقيقة هذه الوفيات، ودلّنى على طريق السير يعقوب أحد أنجب تلاميذه الدكتور السيد عقل، وهاتفنى السير على هاتف منزل الدكتور عقل بتواضع العلماء، وشرح ما خفى من أمر هذه الجراحات المعقدة فى هذه السن الصغيرة، ولم يدخر وسعاً فى توضيح الحقيقة التى تؤكد معنى واحداً «أن تكون السير مجدى يعقوب».
من هذا التاريخ القديم نسبياً، وأنا أتابع بدأب نجاحات السير مجدى حبيب يعقوب، وأتتبع ما تيسر من سيرته، وهو كثير، مسيحى أرثوذكسى، مصرى/ شرقاوى من بلبيس، أطال الله فى عمره، ميلاده الـ«80» مر علينا مرور الكرام فى 16 نوفمبر الماضى، وهذه مناسبة للاحتفال بالعيد الثمانين للجراح الكبير، والفكرة مهداة إلى جامعة القاهرة التى درس الطب فى معاملها، قبل أن يرحل إلى شيكاغو، ثم انتقل إلى بريطانيا فى عام ١٩٦٢ ليعمل بمستشفى الصدر بلندن، ثم أصبح إخصائى جراحات القلب والرئتين فى مستشفى هارفيلد (من ١٩٦٩ إلى ٢٠٠١) ومدير قسم الأبحاث العلمية والتعليم (منذ عام ١٩٩٢) وعين أستاذاً فى المعهد القومى للقلب والرئة فى عام ١٩٨٦.
يعقوب ليس جراحاً عادياً، جراح قلب، اهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام ١٩٦٧. فى عام ١٩٨٠ قام بعملية نقل قلب للمريض «دريك موريس»، والذى أصبح أطول مريض نقل قلب (أوروبى) على قيد الحياة حتى موته فى يوليو ٢٠٠٥.
من بين المشاهير الذين أجرى لهم عمليات كان الكوميدى البريطانى «إريك موركامب». منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب «فارس» فى عام ١٩٦٦، ويطلق عليه فى الإعلام البريطانى لقب «ملك القلوب». حين أصبح عمره ٦٥ سنة اعتزل إجراء العمليات الجراحية واستمر كاستشارى ومُنظر لعمليات نقل الأعضاء فى عام ٢٠٠٦.
قطع الدكتور مجدى يعقوب اعتزاله العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب (مزروع) فى مريضة بعد شفاء قلبها (الطبيعى)، حيث لم يزل القلب الطبيعى للطفلة المريضة خلال عملية الزرع السابقة التى قام بها السير يعقوب.
وقطعها ثانية، عندما عاد إلى البلد الذى فيه ولد، ذهب بعيدا إلى أسوان ينشر سلاسل الأمل، يصلح ما أفسده الدهر فى قلوب الصغار، الكبير يصلح القلوب الصغيرة، كان يستعيض عن فتح عقول الكبار بعلاج قلوب الصغار، العقول الكبيرة تيبست، القلوب الصغيرة لاتزال قادرة على الخفقان، يخفق قلب يعقوب سعادة مع خفقة فى بطين طفل طالباً الحياة.
قبلة الحياة هى ما كان يدخره يعقوب لصغار الوطن، ويعقبها بالشكر، أنا بشكر كل واحد فيكم، لطيف سير يعقوب، الطب عند السير يعقوب رسالة، لم يدخل فى معارك جانبية، ولم يرتكن إلى حكومة، ولم يرذل- من الرذالة- على وزارة الصحة، ولا استنكف تخلفاً، ولا استبطن كيداً، ولا عصر ليموناً، ولا استحلب مرارة، بل قرر وفعل ونفذ حلم عمره، وحلم عمر يعقوب أن يعالج قلوب أطفال مصر، يا له من حلم جميل.
يعقوب لم يزاحم أحداً، أخذ ركناً قصياً، بعيداً عن زحام القاهرة، ولم يفتح مستشفى استثمارياً، ولم يستول على جامعة قائمة بالفعل، ولا تعاطى معنا على طريقة حسنة وأنا سيدك، يقبل الأطفال السمر، ويريحهم من العذابات، هناك يقيم كراهب فى قلايته، ويرتدى لباس العمليات، ويضع الكمامة على أنفه، ويمسك مبضعه ويغرسه فى القلوب شافياً بإذن الله.