الدبلوماسية الشعبية

عبد الناصر سلامة الثلاثاء 08-12-2015 21:22

الدكتور محمد البرادعى بدا أنه أصبح متحدثاً معتمداً فى معظم المحافل الدولية. الدكتور عصام حجّى كان متحدثاً عن وكالة (ناسا) فى قمة المناخ بفرنسا. الدكتور باسم يوسف كان نجماً ومتحدثاً فى مهرجان أيام قرطاج السينمائية بتونس. محمد سلطان نجل أحد القيادات الإخوانية كان متحدثاً رئيسياً فى إحدى جلسات الكونجرس الأمريكى حول حقوق الإنسان فى مصر. الأستاذ فهمى هويدى متحدثاً مطلوباً فى العديد من المنتديات خارجياً. الدكتور عبدالمنعم أبوالمفتوح داخلياً. عبدالله الأشعل أيضاً.

المفارقة الغريبة أنهم جميعاً، وغيرهم، لا نستمع إليهم فى مصر، باستثناء مقال هويدى بجريدة الشروق الذى ناضل لاستمراره وسط هذه الظروف. قبل أسابيع تم إلغاء محاضرة للدكتور علاء الأسوانى، وأخرى للدكتور حجى الذى استمع إليه جميع قادة العالم فى فرنسا، وهناك من النماذج من أصبحوا عبئاً على الفضائيات، وعلى الصحف فى آن واحد، أمثال الأسوانى، أو عمرو حمزاوى، أو حسن نافعة، أو بلال فضل، بعد أن كانوا نجوماً، هناك من أصبحوا فى عداد أعداء النظام، وهناك من أصبحوا فى عداد الفلول، وهناك من أصبحوا، بلا مناسبة، فى عداد الإخوان، النتيجة واحدة، جميعهم ممنوعون من الكلام دون قرار رسمى، القنوات التليفزيونية دائماً عليها مديونيات لمدينة الإنتاج الإعلامى، ولا تريد فتح هذا الملف، والصحف مدينة للمطابع، كما تخشى المصادرة، والأندية، سواء كانت رياضية، أو اجتماعية، أو حتى روتارى، تخضع فى النهاية لإحدى الوزارات، وتخشى الترصد.

إذن لا سبيل سوى منتديات الخارج، وصحف الخارج، وفضائيات الخارج، وأندية الخارج، الكبت لا يُطاق، لا يستمر طويلاً، الكل سوف يبحث عن وسيلة، فى الوقت نفسه المنع ليس حلاً، كما المصادرة ليست النهاية، ربما الحديث فى الداخل يظل متوازناً، قد يخرج عن السيطرة فى الخارج، بالتأكيد سوف يكون عرضة للمزايدات، وأحياناً للتأويل والتهويل، كل ذلك ألقى بظلاله على الجاليات المصرية هنا وهناك، ترك أثره بالسلب، أصبحت جاليات من المعارضة.

يجب أن نعترف أننا الآن أمام دبلوماسية شعبية مناوئة، ساهمنا فى تكوينها وتنميتها، كان من الممكن أن تظل فى الداخل تعمل على تقويم النظام، كان لا يجب أبداً ألا نضيق ذرعاً بالنقد والتقويم، كان من الممكن الاستعانة بباسم يوسف للترويج لمهرجان القاهرة السينمائى، ما هى المشكلة، بالتأكيد لن يتسبب ذلك فى قلب نظام الحكم، الأدهى أن التليفزيون المصرى رفض بث فعاليات مهرجان قرطاج بسبب وجود باسم يوسف، أى هراء وخيبة أكثر من ذلك.

كان من الممكن أن يستمر بلال فضل فى تقديم برنامج تليفزيونى، أو أن يكون فهمى هويدى ضيفاً على بعض البرامج، أو أن يُلقى طارق حجّى محاضرة دورية بالجامعات المصرية، لِمَ لا؟، فى النهاية مصر للجميع، ولن تستقيم الأوضاع أبداً فى ظل طريقة التفكير السائدة الآن، أصبحنا نأمل العودة إلى أوضاع ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، أصبح أملاً يراود الجميع أن نعود لمستوى ديمقراطية واحتواء، وصحافة وإعلام، ما قبل ذلك التاريخ، لا أرى أى مبرر لاستمرار الفريق أحمد شفيق خارج مصر، أو أن يظل الدكتور محمد البرادعى يتحدث من خارج مصر، أو أن يتم منع هذا من العودة، أو ذاك من السفر، أو أن يتم القبض على أحد الشباب الصحفيين لأى سبب.

لا يخفى على أحد أن العلاقات مع العواصم الكبرى ليست على المستوى المطلوب، كان من المهم أن تساهم الدبلوماسية الشعبية بدورها فى هذا الشأن، العبء بدا ثقيلاً على الدبلوماسية الرسمية، للأسف لم نحاول الاستفادة من أبناء الوطن كما يجب، بل على العكس أحبطناهم تارة، واضطهدناهم تارة أخرى، وقد نكون نكلنا بهم فى معظم الأحيان، لم يكن ذلك لصالح الدولة أبداً، بدا ذلك لصالح الحنجورية والانتهازيين والأفاقين، الذين يتم الاعتماد عليهم الآن فى المجالات المختلفة، شكل البرلمان الجديد تمثيلاً واضحاً لطبيعة المرحلة التى نعيشها، لذا يبدو أن الأمر سوف يستمر طويلاً، إلا أن ما أخشاه أن يكون الانفجار فى هذه الحالة على حجم المأساة.

ليتنا نعيد النظر فى هذه الأوضاع، ليت الدبلوماسية الرسمية تشرح لأولى الأمر أهمية استيعاب الدبلوماسية الشعبية، وقتها فقط يمكن أن ننجح خارجياً على الأقل.