على مقربة من نهر السين فى العاصمة الفرنسية باريس، كان لقاء السحاب بين «المصرى اليوم» ومديرة المنظمة المسؤولة عن حماية التراث الإنسانى إيرينا بوكوفا، فى أعقاب لقائها مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، على هامش زيارته الأخيرة لفرنسا للمشاركة فى فعاليات قمة المناخ، وقالت بوكوفا إنها بحثت مع الرئيس السيسى التحديات التى تواجه الأرض نتيجة للتغيرات المناخية، وشرحت له المبادرة التى أعلنتها المنظمة لحماية الشباب من العنف المتطرف، مشيرة إلى أن الرئيس لديه مشروع طموح لتحسين جودة التعليم العالى، ويسعى هو وحكومته لإنشاء حديقة علمية وتكنولوجية وستعمل اليونسكو على مساعدة مصر فى تحقيق ذلك الهدف، وشددت على ضرورة التصدى بقوة لظاهرة تدمير التراث على يد داعش باعتبار ذلك مأساة ضخمة، ولابد من إعلان المعتدين على الآثار «مجرمى حرب»، وإلى نص الحوار:
■ نبدأ من لقائك الأخير مع الرئيس عبدالفتاح السيسى على هامش زيارته لباريس، ما هى النقاط الرئيسية التى ناقشتها مع الرئيس خلال اللقاء؟
- كان الموضوع الأول والأهم الذى ناقشته مع السيسى هو مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، وتحقيق التنمية المستدامة وتحديات التغيرات المناخية، ثم ناقشنا التعاون المشترك، وأكد لى الرئيس مرة أخرى التزامه بحماية التراث الثقافى، والعمل المهم الذى تقوم به منظمة اليونسكو مع مصر، وشرحت للرئيس أن اليونسكو تحتفل خلال هذا العام بمرور ٧٠ عاما على إنشائها، وقلت للرئيس إنه لا يمكن الاحتفال بالذكرى الـ ٧٠ لتأسيس المنظمة دون أن نذكر المشروعات الكبرى التى نفذناها فى مصر مثل معبد النوبة، وأشرت إلى أن ما ألهم الحملة العالمية لتبنى العهد الدولى للحفاظ على التراث الثقافى كان بشكل كبير الحملة التى نفذتها اليونسكو لإنقاذ معبد أبوسمبل، وكل أعمال الترميم والحفاظ على التراث التى نفذناها.
تحدثت مع الرئيس أيضا عن التعاون فى مجال تحسين جودة التعليم ومحو الأمية، والرئيس لديه أجندة طموحة للشباب لتوفير مستوى مرتفع من التعليم العالى.
والنقطة الأخيرة التى ناقشتها مع السيسى كانت التأكيد على قلقنا المشترك من تنامى العنف المتطرف ونشر الفكر المتطرف لدى الشباب، وتحدثنا عن عمل المنظمة هنا من خلال تنظيم مؤتمر حول الإنترنت ونشر الفكر المتطرف عند الشباب، واللقاء الأول لوزراء التعليم حول كيفية مكافحة العنف المتطرف من خلال التعليم، وضرورة العمل على تطوير الكتب الدراسية وتدريب المدرسين وتغيير الأجواء التى يستغلها المتطرفون لجذب الشباب، كان لقائى مع الرئيس ومناقشاتى معه جيدة جدا.
■ حماية الشباب من التطرف، وتحقيق التوازن بين حرية الرأى والتعبير واستخدام الإنترنت، كيف تعمل المنظمة على تفعيل هذه المعادلة؟
- أعتقد أن هذا تحد جديد نواجهه، لأن الإنترنت وجميع التكنولوجيا الجديدة من الهواتف المحمولة وغيرها وسائل غير معقولة لنشر المعرفة وتوفير حرية الوصول إلى المعلومات حيث نستخدم تقنيات التعليم المفتوح لمحو الأمية، ونستخدم الهواتف المحمولة فى أجزاء كثيرة من العالم، مثل كينيا ونيجيريا فى التواصل، فهى أدوات إيجابية جدا، فى تحقيق نتائج اجتماعية، لكننا فى نفس الوقت نرى للأسف أنها تستخدم أحيانا لنشر الكراهية، وخلال المؤتمر الذى نظمناه فى المنظمة مؤخرا علمنا أنه ففط خلال العام الماضى هناك ٧٠٠ فيديو وأكثر من ٢٠٠٠ موقع تنشر الكراهية بين الشباب وتحاول جذب الشباب نحو أنشطة متطرفة، وأعتقد أنه لابد من الاستمرار فى مناقشة أخلاقيات استخدام الإنترنت، والنظر إلى الأطفال الذين يدخلون هذا العالم وهو عالم كامل يدخله الأطفال دون إرشاد من أسرهم، وهذا جزء من الأفكار المطروحة، ونعتقد أنه لابد من انخراط الجميع فى البحث عن حل لهذه المعضلة من شركات التكنولوجيا والمجتمع المدنى والمسؤولين عن التعليم لإيجاد الطريقة الصحية التى يمكن من خلالها الاستفادة من الآثار الإيجابية للإنترنت وفى نفس الوقت عدم ترك مساحة لنشر التطرف والكراهية، وأحد الأشياء المهمة فى هذا المجال هو تغيير طريقة العرض وإدخال محتوى جديد للإنترنت لتوفير قدرة لدى الشباب على المقاومة وأن تكون لديهم رؤيتهم النقدية وهذا ما نسميه التعليم من أجل المواطنة العالمية التعليم لخلق محتوى ثقافى، ولمعرفة التنوع وثقافات الآخرين وأديانهم وتكوين هذا الشعور من الاحترام المتبادل وهذا شىء معقد للحديث عن هذه الطرق لكن أعتقد أننا علينا النظر فى كل جوانب هذا الموضوع إذا أردنا الوصول لحل دائم لها.
■ أحد أهداف المنظمة الرئيسية هو بناء السلام فى العالم، كيف تنوون فعل ذلك؟
- نحن فى اليونسكو مسؤولون عن بناء السلام فى العقول لأنه فى العقول تتكون القدرات الدفاعية للإنسان، لذلك نحن لسنا جزءا من مجلس الأمن أو غيره لكن من المهم أنه من خلال التعليم والمعرفة والعلم بناء مجتمعات شاملة تنشر احترام القيم الإنسانية والعمل على المساواة بين الجنسين والوصول إلى المهمشين، ومكافحة الفقر وتوفير التعليم الجيد والمستمر للجميع وبناء المهارات عند الشباب بحيث يجدون وظائف، وتوفير ثقافة احترام الثقافات المختلفة فى العالم وأعتقد أن المعهد الدولى للحفاظ على التراث وهذه القائمة الطويلة من المواقع التراثية على قائمة التراث العالمى إحدى أهم أدوات الحوار الثقافى لأنه عندما نصف مسجدا أو معبدا أو كنيسة فى سوريا أو العراق أو آسيا، أو صورا فى بيرو وأمريكا اللاتينية فهذا يعنى أننا نريها للعالم، وعرض قيمة هذه الأماكن والرسائل التى تقدمها بهذه الطريقة نعيد بناء السلام فى العالم.
■ وهل تستطيعون أداء هذه الوظيفة مع عجز الميزانية الذى تعانى منه المنظمة؟
- لسوء الحظ تعانى المنظمة من مشكلة تمويل بسبب تعليق الولايات المتحدة مساهمتها فى تمويل المنظمة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهذا ليس قرارا من الحكومة الأمريكية بل نتيجة قانونين تم إقرارهما فى التسعينات وبناء عليهما تم تعليق التمويل، بسبب ضم فلسطين لعضوية المنظمة، وهذه مشكلة كبيرة تدفعنا لتقليص أنشطتنا وإعادة النظر فى كثير من الأنشطة، ولكن فى الوقت نفسه هناك أشياء إيجابية فى هذا الإطار حيث يحظى دورنا المهم بتقدير من الولايات المتحدة خاصة فى مجال مكافحة العنف المتطرف، ويقدرون دورنا فى قضايا النوع وحقوق المرأة وتعليم البنات ويقدرون دورنا فى حرية التعبير وحماية الصحفيين، لأنه فى أحوال كثيرة يتعرضون للتحرش والقتل، فعلى الجانب الآخر هناك ميزاينات إضافية ودعم أكثر من دول أخرى ومانحون يقدرون دورنا وهذا علامة ثقة فى دورنا، ويمكن أيضا الاحتفاظ بدورنا القيادى فى هذه المجالات (التعليم والثقافة والعلوم)، وأعتقد أنه لا يجب الشكوى، بل علينا العمل لتفعيل أداء دور المنظمة فى هذه الأيام المهمة.
■ وماذا عن حماية التراث الثقافى خصوصا مع توحش شبح «داعش» المدمر للآثار؟
- هذا موضوع كبير ومأساة ضخمة، فما يحدث فى سوريا والعراق على وجه الخصوص من هجمات منظمة وتدمير للتراث، وهو ليس تدميرا بالصدفة بل تدمير ممنهج ومخطط له، من ناس لديها أفكار متطرفة حول العالم والتراث والثقافة، وأول ما يجب عمله هو أن نعمل بقوة على زيادة الوعى بأن هذه جريمة حرب، فتدمير التراث الإنسانى جريمة حرب.
■ لكن من يدمر التراث جماعات إرهابية لا يهمها الوعى بجرائم الحرب من عدمه؟
-لا يجب منح هذه الجماعات حصانة من العقاب، مهما كان ما يعتبرونه، وسأعطى مثالا على ما حدث فى مالى عندما دمر المتطرفون معلما إسلاميا فى تمبكتو، عمره أكثر من 1000 عام، لم نكتفِ بإعادة بناء المكان بل اتصلنا بالمحكمة الدولية؛ لأن ما حدث هو جريمة حرب والقانون ينص على محاكمة مرتكبيها أمام المحكمة الدولية، وأعتقد أن هذه رسالة مهمة، أنه لن تكون لديهم حصانة لأننا بشر نحتكم للقانون ولو لم يكن هناك قانون لأصبحت الحياة مثل الغابة، وأنا أدرك الصعوبات وأشاركك قلقك حول هذا الأمر، لكن فى النهاية لا يجب أن نوصل رسالة مهمة مفادها أنهم لا يجب أن يكونوا محصنين ضد العقاب، على جرائم الحرب التى ارتكبوها، والشىء الثانى ربط المخاوف الإنسانية بالثقافة والأمن لأنه من الصعب إقناع العالم واللاعبين الرئيسيين فيه أن التراث مهم وأنه يجب الحفاظ عليه، وأنه جزء من الكارثة الإنسانية لأنك تدمر ثقافة وتراث وتاريخ مجموعة من البشر حيث تطارد الأقلية وتستعبدهم، فماذا يبقى منهم، هذا جزء من الكارثة الإنسانية.
والشىء الثالث هو وقف تمويل الجماعات الإرهابية عبر قطع قنوات الاتجار فى الآثار، ونحن نطلق عليها الآثار الدموية، ونعلم أنها مع بعض مع المخدرات والسلاح واحدة من قنوات تمويل الإرهاب والعنف المتطرف لذلك شكلنا آلية للتعاون مع الحكومات والإنتربول والجمارك فى جميع الدول الأعضاء وأعتقد أننا نحقق بعض النجاح لأننا إذا تابعنا بعض هذه المواقع التراثية عبر الستالايت سنرى أن هناك العشرات بل المئات من القطع الملقاة على الأرض ونحن لا نعرف بعضها لأنها غير مسجلة وغير معروضة بالمتاحف، هذا عمل مهم جدا نقوم به.
■ ما أهم المشروعات التى تنفذونها فى مصر؟
- لدينا الكثير من المشروعات فى التراث والتعليم والعلوم.
■ اليونسكو مهتمة بمراجعة أسلوب القبول فى الجامعات، وهناك تعاون فى التعليم كما ذكرت، فما هى جوانب هذا التعاون؟
- أعلم أن الرئيس السيسى وحكومته لديهم مشروع طموح لإنشاء حديقة علمية تكنولوجية، ونحن نعمل معهم لتنفيذها، على الجانب الآخر فإن القضية الكبرى هى جودة التعليم العالى، والاعتراف بالشهادات الجامعية ودرجات الدكتوراه الممنوحة فى مصر، وهذا ما وعدنا به وزير التعليم العالى عندما زارنا مؤخرا، أطلقنا مشروعا للمساعدة فى معادلة الشهادات الجامعية وهذا مشروع بدأناه مؤخرا.
■ وفى مجال الآثار؟
- من أهم المشروعات التى عملنا عليها مشروع ترميم المتحف الإسلامى، بعد تعرضه لأضرار كبيرة فى أعقاب هجوم إرهابى على مقر مديرية أمن القاهرة، وفى يوم الهجوم دعوت المجتمع الدولى للتعهد بتخصيص ١٠٠ مليون دولار كمنحة مباشرة لترميم المتحف، وهناك مشروعات أخرى فى قرية القرنة الجديدة فى الأقصر.
■ وماذا ننتظر من «قرية حسن فتحى»؟
- الحفاظ على قرية القرنة هو أكثر من مجرد الحفاظ على تصميمها الأصلى وطرازها المعمارى، حيث يتضمن تطوير وسائل التواصل والتعليم، وأحد الأهداف الأساسية لمبادرة اليونسكو المقترحة لحماية هذا الموقع هو تثمين الأفكار الرائدة وفلسفة عمارة حسن فتحى وتطويرها لتتلاءم مع الاحتياجات المعاصرة، مبادئ عمارة حسن فتحى مستمدة من القيم الإنسانية بشأن الاتصالات بين الناس والأماكن واستخدام المعرفة والخامات التقليدية، والاستفادة من الأرض كمادة بناء، وكانت القرنة تجربة حاسمة فى تطبيق هذه الفلسفة
■ وماذا عن ترميم هرم زوسر؟
- العمل مستمر.
■ وماذا عما تردد بشأن اعتراض اليونسكو على أسلوب الترميم؟
- ترميم الآثار والحفاظ عليها دائما ما يشكل تحديا، وأهم شىء هنا أن يكون هناك حوار جيد مع الخبراء المصريين، هذه ليست حالة نراها فى مصر فقط، بل هذا تحدٍّ موجود فى كل مكان فى العالم، خاصة أن تغيرات المناخ تؤثر بشكل كبير على الآثار، لذلك يعد الحفاظ عليها وحمايتها تحديا كبيرا، ولا ننسى أن هناك تقنيات جديدة لم تكن موجودة فى سنوات سابقة، ونحن نحاول من خلال هذا النوع من الحوار الحفاظ على أفضل الممارسات لحماية الآثار، وهذا هدفنا الأساسى، عمل عمليات إصلاح مستقرة للآثار، وإذا انتقدنا فى بعض الأحيان أو تدخلنا فى شىء فهذا لمصلحة الأثر.