تلوين العشوائيات

درية شرف الدين الثلاثاء 08-12-2015 21:20

هل بالإمكان فعلا تطوير العشوائيات؟ هل بالإمكان إصلاح ما أفسده التسيب والبناء بلا تراخيص على الأراضى المنهوبة على مدى أعوام؟ تلاصقت المنازل إلى حد الاختناق وتقلصت مساحات المعيشة للأسر والأفراد إلى أمتار معدودة، اختفت الشوارع الممتدة ومعها بالطبع الأرصفة حيث لم يعد هناك مجال إلا لطرز الأبنية المشوهة التى يمكن للأيادى أن تتصافح بينها بكل سهولة ويسر، الصرف الصحى غالبا غير موجود والكهرباء مسروقة والخدمات الأساسية للحياة الآدمية منعدمة والبؤس يغلف تلك الأمكنة التى يتكاثر سكانها القادمون غالباً من جنوب البلاد من الصعيد الفقير يبحثون عن لقمة العيش ويستوطنون حواف المدن ثم ينضم إليهم من لم تعد تستوعبهم أحياؤهم الفقيرة. هذه التجمعات البشرية السكنية المكتظة والمهملة هل مازال بالإمكان فعلاً إصلاحها أو تغييرها أو تطويرها؟ هل يعنى مجرد تطوير الواجهات تطويراً؟ وهل تعنى إزالة القمامة مؤقتاً أنها لن تعود؟ طلاء الجدران وتلوينها إلى متى سيبقى محتفظاً برونقه الجديد؟ وماذا يعنى ما نردده دائماً عن إعادة تأهيل المناطق العشوائية ورفع كفاءتها وإمدادها بجميع الخدمات الأساسية لتتحول إلى مناطق حضارية؟ كيف سيتحول عش النمل المكدس بالبشر المنعدم الخدمات إلى منطقة حضارية بها مدرسة ونادٍ وحديقة وشوارع وأرصفة ومنازل صحية تتخللها أشعة الشمس وتتلقى الهواء النقى ويتمتع ساكنوها ببعض الخصوصية؟

أفكر أحياناً فى الملايين التى تصب الآن فى الأحياء العشوائية وآخرها أموال صندوق تحيا مصر وهو من تبرعات المصريين، هذه الأموال تصرف الآن فى عمليات إصلاح أراها شكلية لن تدوم آثارها ولن تستمر. كيف ستمتد مواسير الصرف الصحى أو خطوط الكهرباء أو الغاز عبر دهاليز تلك الأماكن ومن أين ستنشأ الأرصفة والشوارع نفسها غير موجودة؟ الأبراج المخالفة والورش غير المرخصة وجيوش الباعة الجائلين والحياة بوضع اليد وفرض الأمر الواقع بعيداً عن أعين الأجهزة أو بالرغم عنها، حتى عربة الإسعاف أو النجدة أو المطافئ لن تجد لها ممراً مع هذا الإصلاح الجارى الآن فى بعض أماكن العشوائيات ومعها بعض القرى الفقيرة.

هذه الإصلاحات أو أعمال التطوير الشكلية لن تُجدى، ستصلح فقط للتصوير، هذه الصورة قبل التطوير وهذه الصورة بعده، ثم تعود ريما لعادتها القديمة خلال أشهر قليلة، أعمال التطوير الشكلية هذه ستعرقل عمليات نقل سكان العشوائيات إلى أماكن ومناطق جديدة وبديلة وهذا التحسن الجزئى سيغرى كثيرين بالبقاء، ويبقى الحل فى إزالة وصمة العشوائيات التى نشأت واستفحلت فى غيبة من العدل والإنسانية والحد الأدنى من حقوق الإنسان. أرض الله واسعة فى مصر وأموال التبرعات أو أموال الحكومة من الأجدى أن تتجه إلى أماكن جديدة توفر السكن وفرص العمل معاً لسكان العشوائيات والانتقال إليها يكون إجبارياً بقوة القانون وبهيبة الدولة، أما عمليات الترميم والتلوين فلن تجدى ولن تغير الحال.