يعتبر أول شيخ يجمع بين منصبي مفتي الديار المصرية، وشيخ الأزهر الشريف، واستمر بالإفتاء 4 سنوات، سلك طريق العلم مثل جده وأبيه، فحفظ القرآن الكريم ومتون الفقه والحديث والنحو، وتردد على حلقات العلم.
الشيخ محمد المهدي، المولود في عام 1827 بالإسكندرية، وبعد تولي إبراهيم باشا بن محمد على ولاية مصر، أصدر أمرًا بتولي الشيخ «المهدي» منصب الإفتاء في 1847، وكان لا يزال شابًا تجاوز العشرين بقليل.
عقد مجلس علماء بالقلعة، واتفقوا على تعيين أمين للفتوى يقوم بشؤونها حتى يتأهل «المهدي» ويباشرها بنفسه، وانكب بنهم على مصادر الفقه والمعرفة الإسلامية، ليكون أهلًا للمنصب حتى أصبح جديرًا بالمنصب، ومؤهلًا للتدريس في الأزهر الشريف بين كبار العلماء.
في عهد الخديو إسماعيل تولى الشيخ محمد المهدي مشيخة الأزهر الشريف في عام 1870، خلفًا للشيخ مصطفى العروسي، مع احتفاظه بمنصب الإفتاء.
كان «المهدي» أول من جمع بين المنصبين، وأول حنفي يتولى مشيخة الأزهر، وكان عادة يتولى المشيخة العلماء من أصحاب المذهب الشافعي، وهو يعد أصغر من تولى المشيخة في تاريخها.
باشر الشيخ «المهدي» عمله بكل حزم ونشاط، وشرع في تنظيم شؤون الأزهر الإدارية والمالية، وأعاد لأهل الأزهر ما كان لهم من رواتب شهرية وسنوية، وتشدد في إنفاق أموال الأوقاف على مستحقيها وفقًا للشروط، ثم استصدر قرارًا من الخديو بوضع قانون للتدريس بالأزهر، فاستجاب له، وكانت أول خطوة في إصلاح الأزهر وتطوير الدراسة به، واختيار القائمين على التدريس به وفقًا لشروط موضوعية.
كان المعتاد أن يجلس للتدريس بالأزهر من يجد في نفسه قدرة على التدريس، فإذا أقره شيوخه على هذا بعد حضور دروسه استمر في عمله، وكانت هذه الطريقة ينفذ من خلالها من ليس أهلًا للتدريس بفعل المجاملة والتساهل، واقتضى النظام الذي قدمه شيخ الأزهر أن يمتحن الطالب الذي يرغب في الجلوس للتدريس أمام لجنة تضم 6 أعضاء من كبار علماء الأزهر، ويكون الامتحان في أحد عشر علمًا من العلوم المتداولة بالأزهر وهي «التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه وأصوله، والنحو والصرف، والمعاني والبيان، والبديع، والمنطق».
وكان الامتحان عسيرًا، لا يجتازه إلا من استعد له تمامًا، ونجح في إقناع الستة الممتحنين، ولذلك كان كثير من المتقدمين لا يجتازون هذا الامتحان من المرة الأولى، بل تتعدد محاولتهم للحصول على تقدير اللجنة، وكان أغلبية الناجحين من أصحاب الدرجة الثالثة، ويعتبر الشيخ محمد المهدي أول من سن قانونًا بتنظيم الامتحان في الأزهر.
كرمته الدولة العثمانية، بمنحه «كسوة التشريف» والوسام العثماني الأول في عام 1892، إلى أن توفي «زي النهارده» في 8 ديسمبر 1897.
وتقول الدكتورة آمنة نصير أن الشيخ العباسي كان أول من جمع بين منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر وكان أصغر من تولي أيا من المنصبين والمدهش أن أحدا لم يختلف على الإفتاء في عهده وكان له من العمر عشرين عاما أو أكثر بقليل يتولى كما كان أول حنفى يتولى مشيخة الأزهر فكان أصغر من تولاها طوال تاريخ الأزهر والمدهش أيضا أنه ظل يتولي الإفتاء لأربعين عاما ولعل تجدد ذكراه يدفعني للقول أن الأزهر وشيوخه ودوره ظل قلعة علمية وخرجت منه الثورات المبكرة مثل ثورة القاهرة الأولي والثانية ضد الحملة الفرنسيين وكان نابليون يقيم له ألف حساب ويعتبره معبرا عن رأي الشعب وكان العباسي بدوره ومهارته ونشاطه تجسيدا مبكرا للأزهر كقلعة علمية ومعبرا عن الوسطية.