الإخوان من الفنان أحمد زكي.. للفنان رجب طيب أردوغان

أحمد الدريني الإثنين 07-12-2015 21:18

أجادل أصدقائي بأن أعقد تجربة سياسية خاضها الإخوان في تاريخهم، هي تجربة مشاهدة فيلم «أيام السادات»!
ففي اللحظة التي استشعر فيها التنظيم أن الرجل المبتعث من صفوفه لمنصب رئيس الجمهورية، على وشك أن يطاح به، تمخض عقل الجماعة عن فكرة ألمعية، لم يتم هرسها سوى في فيلم عربي واحد فقط ..«الشرعية».
«ياريس أنا متلزم هقوم بواجبي مع السلطة (الشرعية) والدستور..» قالها الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري في الفيلم الشهير للرئيس السادات/أحمد زكي، حين كان الصراع بينه وبين مراكز القوى على أعتاب الاحتدام.
أجادل بأن لاوعيهم اختار مسألة «الشرعية» لتمثل جوهر الصراع بين تنظيم فاشل وبين «دولة» رافضة للتنظيم بمعزل عن فشله من عدمه، تأثرًا بالفيلم وتمثلًا لمنطقه.
ففي اليوم الذي أطاح فيه الدكتور مرسي حين كان رئيسا بالمشير طنطاوي والمجلس العسكري، ليأتي بالسيسي حينها وزيرًا للدفاع، كانت الجملة الأكثر تكرارًا من أعضاء الجماعة وأنصارها على وسائل التواصل الاجتماعي «دلوقتي تقدر تتحرك يا ليثي»!.. مصحوبة بزهو غامر وضحكات رقيعة شامتة.
وهي جملة أداها الراحل أحمد زكي بمكر بالغ وبمهارته الاستثنائية في التمثيل والتجسيد.. (دلوقتي تقدر تتحرك يا ليثي).
وعلى نحو ما قارن الإخوان تخلص الرئيس مرسي من «الكتلة الأصعب» وهي قيادات الجيش ذات الثقل البالغ في ميزان الدولة، بتخلص الرئيس السادات من خصومه، أو بتخلص أحمد زكي بالأحرى من زملائه الممثلين في مجريات الفيلم، فكان أن انساب على لسانهم ما يحاك في لاوعيهم «دلوقتي تقدر تتحرك يا ليثي!».
ليس من قبيل الصدفة أن يستلهم التنظيم بأفراده، طواعيةً، تعبيرين من «فيلم» أيام السادات، لقيادة أضخم معركتين في الحكم: التخلص من المشير طنطاوي، ثم الصراع مع السيسي على البقاء في الحكم.
وأعاود التدقيق: الإخوان لم يستفيدوا ولم يتأثروا من تجربة السادات بمقدار مما تأثروا بفيلم «أيام السادات».
وهو أمرٌ مفهوم في جماعة في عمومها مازالت تمر بأطوار المراهقة التنظيمية والفكرية، رغم عمرها الثمانيني الطاعن، فشأنها شأن أي مراهق، يأسره فيلم وتأخذ قلبه رواية، وتسلب لبه عظة مسرحية أو خطبة جمعة.
حتى في أحلك لحظات الأزمة لم تظهر الجماعة علامة رشد واحدة، أو قرينة نضج، تستحق التوقف حيالها.
(2)
في واحدة من دراسات الباحث الفذ الراحل حسام تمام- رحمه الله- أخذ يرصد تغير مناهج التربية داخل جماعة الإخوان، وتزامن هذه التغييرات مع المعتقدات والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية للتنظيم!
فقد اختفت رويدا رويدا، سيرة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري من مناهج التربية والتنشئة، ليحل محلها سيرة الصحابي عثمان بن عفان –رضي الله عنهما- في اتجاه متزايد لإقصاء سير الصحابة الفقراء لصالح إفراد مساحة دراسة وتأمل واستلهام من نماذج الصحابة الميسورين ماديًا، كسيدنا عثمان وكسيدنا عبدالرحمن بن عوف.
وهو ما كان يتسق مع اتجاه التنظيم للتماشي مع السياسات الاقتصادية للسادات ومن بعده مبارك، بإفراز نموذج رجل الأعمال الناجح وإجلاله، وتصديره بوصفه نموذج «المسلم المثالي» على نحو ما.
وجاء ذلك خلافًا للنسخة التي تم اعتمادها من الإسلام في عهد عبدالناصر، حين نشطت الجماعة في تصوير الإسلام كدين للفقراء والمكافحين والثوار، مفسحين المجال أمام سير وقصص الصحابة الفقراء والكادحين، تماشيًا مع موجة المرحلة الناصرية وتماهيًا مع مفردات خطابها الاجتماعي والسياسي.
استلهامًا منها ومنافسة لها ومزايدةً عليها، دون أن تكون القناعة بالضرورة متبلورة في «عقل وقلب» الجماعة.
هذا بالتقريب جوهر ما كان يطرحه الراحل العزيز حسام تمام، في دراسته المدهشة، ذات القرائن البحثية المتواترة والموثقة.
(3)
وفي الدفاع المستميت من أنصار الجماعة عن أردوغان في مآزقه المتعددة اليوم، امتدادٌ لخضوع الأفراد لسحر الدراما، بأكثر منه تعاطف أيديولجي مبررٌ لابن الفكرة نفسها ولفرع من فروع التنظيم ذاته.
فالرئيس التركي في مناوراته ذات الطابع الدرامي التمثيلي يوافق الذائقة الإخوانية عمومًا في رغبتها في اختراع رموز للمشروع الإسلامي، ثم الانسحاق حيال هذه «الرموز»، ومحاولة تصدير هذا الانسحاق لنا.
فبالرغم من الشبهات التي تحيط بالراجل من منظور «الفكرة الإسلامية» في حد ذاتها، كمتعاون مع إسرائيل وكمخلب للناتو وكصديق للغرب، وكلص نفط من سوريا والعراق وليبيا، وكبيزنس مان تحوطه هو وأسرته شبهات لا أول لها ولا آخر، إلا أنه من وجهة نظر أفراد الجماعة المهزومين في كل الساحات وعلى كل المستويات.. آخر فرصة نجاح متاحة أمامهم لتقول أن المشروع الإسلامي في الحكم يمكن أن يواتيه النجاح ويمكن أن يعقد صيغة تفاهم مع العالم الغربي.
أردوغان بخطاباته ذات الطابع الشعبوي (كأن يراهن بوتين على مقعده الرئاسي) أو في تصرفاته ذات البعد المسرحي (مغادرة منصة الحوار مع المجرم شيمون بيريز) أو في حديثه ذي الطابع المحتد الكياد، الذي يصعب أن تفصل فيه ما هو «قومي تركي استعلائي» عما هو «إسلامي خالص»..يمثل آخر حالة سينمائية يمكن أن يأسر التنظيم نفسه بداخلها، دون وجود شواهد موضوعية تستحق الانزلاق لساحة الخليفة العثماني الغاضب دومًا كأنما يعاقب العالم –بحنقه وانفعاله الحاضر- كله على جرم لا يعرفه أحد!
المسافة بين أحمد زكي ورجب طيب ليست بعيدة.. فكلاهما في مهنة التمثيل قامة كبيرة، قل أن يجود الزمان بمثلها.