هل تحل الفيدرالية مأساة لبنان؟

الدكتور مصطفى النجار الإثنين 07-12-2015 21:22

عام ونصف ولبنان بلا رئيس بسبب عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين. يفاجئ السيد سعد الحريرى الجميع بطرح اسم النائب سليمان فرنجية، رئيس تيار المردة، كرئيس للجمهورية، فى صفعة للسيد سمير جعجع وقبله الميشيل عون فى خطوة قلبت المشهد السياسى فى لبنان رأساً على عقب، ورغم أنه لم يتم الإعلان الرسمى من قبل الحريرى إلا أن التكهنات تشير لما يصفه معارضوها بالصفقة الصادمة التى تتم بدعم سعودى عبر تصريحات السفير السعودى ببيروت عن مباركة المملكة للمبادرة التى تنهى حالة الفراغ السياسى وعدم استكمال مؤسسات الدولة اللبنانية،

وفى ندوة عقدت مؤخرا ببيروت طرح السيد سامى الجميل، رئيس حزب الكتائب المسيحى، بشكل مباشر اقتراحا بقيام دولة فيدرالية فى لبنان تتوزع أقاليمها على أساس دينى وطائفى، وربما مناطقى، وقال إن لبنان ينبغى أن يفعل ذلك قبل السقوط فى حرب أهلية جديدة!

طرح سامى الجميل لم يواجه بالرفض المطلق، بل تبناه عدد غير قليل من الجمهور اللبنانى الموجود بالندوة واعتبروه خلاصاً من كل مشاكل لبنان المزمنة، لكن على الناحية الأخرى يبدو هذا الاقتراح مخيفا وصادما ليس للبنانيين فقط بل للمنطقة العربية ككل

من دعوا يوما لإقامة دولة فيدرالية بالعراق قالوا إن الفيدرالية لا تعنى التقسيم والتجزئة، ولكنها تعنى إمكانية تعايش أناس يعانون من أزمة الثقة فيما بينهم فى دولة واحدة، مع تمتع كل طائفة أو شريحة منهم بسلطة لا مركزية. وطبقا للكاتب الأمريكى ليسلى غيليب فإن الفيدرالية تعنى قيام كل طائفة بحكم نفسها بنفسها وإدارة شؤونها بذاتها، ولكن الجميع يلتقون فى حكومة مركزية، وأما المدن التى يختلط فيها السكان من شرائح طوائف مختلفة فتخضع لحكم فيدرالى تحت حماية دولية، ويبقى دور الحكومة المركزية يتمثل فقط فى إدارة الشؤون الخارجية، وإنشاء جيش وطنى لحراسة الحدود

الحقيقة أن النظام الفيدرالى الذى يدعو له البعض فى العراق ولبنان واليمن يعنى تفتيت الوحدة الوطنية وتوزع الولاءات. النموذج اللبنانى لا يتفق فيه الفرقاء على سياسة خارجية واحدة، كيف ستصاغ السياسة الخارجية فيه على سبيل المثال؟ المأساة أننا لا ندرك أن مشكلتنا تتمثل فى غياب مفهوم المواطنة الكاملة، وكذلك غياب الدولة المدنية التى تتبنى العلمانية التى تحترم كافة الأديان وتضمن حرية المعتقد لكل مواطن.

لم نستطع فى لبنان تجاوز مرارة الحرب الأهلية، وتم تأسيس نظام سياسى يكرس الطائفية والمحاصصة، وكان يمكن قبول ذلك وتفهمه لفترة مؤقتة، لكن أن يصبح هذا هو الأصل فهذا قمة المأساة والفشل!

إن الحل لكل البلاد العربية التى تحتوى أعراقاً ومذاهب يكمن فى بناء الدولة العلمانية الصريحة التى تستطيع جمع هذا الشتات واحتواء الجميع: الأديان والمذاهب والأعراق الموجودة فى المنطقة العربية لا يمكن مقارنتها بمثليتها فى أمريكا التى تضم أعداداً هائلة من الديانات المختلفة والأجناس والأعراق، ولكنها استطاعت إقامة دولة مدنية المعيار الوحيد فيها هو المواطنة، واحترام الدستور والقانون.

لا يجب أن نمضى مع دعوات التقسيم والتفتيت لبلادنا العربية، لا يجب أن تدفع الشعوب ثمن فشل الساسة وطمعهم وجشعهم وبحثهم عن مزيد من السلطة والنفوذ، فلنربِّ أبناءنا على المواطنة الكاملة لينجحوا فيما فشلنا نحن فيه.