الكاتب الكبير محمد سلماوى يتحدث لـ«المصري اليوم» عن «المثقفين» والثورة»: على الدولة تقديم مشروع ثقافى يحقق أهداف الثورة

كتب: أبو السعود محمد الإثنين 07-12-2015 09:42

أثار حوار الشاعر والإذاعى الكبير فاروق شوشة، الذى أجراه مع «المصرى اليوم»، الأسبوع الماضى، جدلاً واسعاً فى الوسط الثقافى والسياسى، بسبب مهاجمته المثقفين، ما دفعنا لإجراء سلسلة حوارات مع عدد من المثقفين والفاعلين فى المشهد الثقافى، لنصل من خلالهم إلى طرح رؤية قادرة على مواكبة تحديات الحاضر، ثقافياً وسياسياً واجتماعياً. وتواصل «المصرى اليوم» سلسلة حواراتها بلقاء الكاتب الروائى والمسرحى والصحفى الكبير محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب السابق، والرئيس الحالى لاتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، ليقدم رؤيته للنهوض بالثقافة المصرية وربطها بالثقافة العربية من أجل إقامة مشروع نهضوى يتماشى مع الأهداف التى اندلعت من أجلها الثورات التى شهدتها المنطقة العربية.. وإلى نص الحوار:

■ منذ عقود انقطعت جسور التواصل بين المثقف ورجل الشارع وبدا الخطاب الثقافى نخبوياً فيما يشبه ثقافة الصالونات وتزايدت هذه الظاهرة بعد الثورة.

ـ دعنى أختلف معك من البداية فى هذا الطرح، فالمثقفون لم ينعزلوا عن الواقع قط، بل أقول إن المثقفين هم صانعو الثورة، إذ اندلعت ثورة ٢٥ يناير ومن بعدها ثورة ٣٠ يونيو بفعل الزخم الثقافى والتعبئة الفكرية والوجدانية التى صنعها المثقفون، ولن أنسى زيارة مجموعة من شباب الثورة إلى مقر اتحاد الكتاب بمنطقة الزمالك بعد نجاح الثورة لكى يشكروا الكتّاب، وقالوا وقتها: «نحن مدينون للمثقفين فى قيام الثورة، فلولا كتاباتكم ما قمنا بالثورة»، وكان اتحاد الكتاب أول نقابة فى مصر تعلن تأييدها للثورة يوم 26 يناير 2011، حيث عقد اجتماعا طارئا، وأكد فى بيان أصدره قبل مرور ٢٤ ساعة على اندلاع الثورة تأييده لها وتبنيه لمطالبها، وهذا كان دورا طليعيا يحسب للمثقفين المصريين، وفيما يتعلق بثورة 30 يونيو، لابد أن تعلم أن اتحاد الكتاب عقد جمعية عمومية طارئة أعلنت سحب الثقة من رئيس جمهورية ما زال فى السلطة، وهو محمد مرسى، فى خطوة غير مسبوقة فى تاريخنا السياسى، وبدأ المثقفون تحرير البلد من حكم جماعة الإخوان عندما توجه كتاب وفنانون وموسيقيون ومفكرون إلى وزارة الثقافة ومنعوا دخول وزير الثقافة الذى عيّنه الإخوان من دخول الوزارة، وعندما كان يقال إننا محتلون للوزارة، كنت أقول: بل نحن نحرر الوزارة، وكانت تلك سابقة اتبعتها جماعات أخرى، فنفس الرفض قام به مواطنو الأقصر فيما بعد، عندما منعوا المحافظ الإخوانى من دخول المحافظة، إن الحديث عن أن المثقفين مغيبون أو أنهم لم يقوموا بدورهم أو أنهم انعزلوا قول مغلوط وترديد لكلام يقال على المقاهى دون دراسة أو دراية.

■ لكن أين المثقفون من مشروع ثقافى يخاطب الناس ويحقق التواصل معهم ويتبنى همومهم ويصنع نهضة ثقافية حقيقية للمجتمع، كما يحدث عقب كل الثورات فى العالم وبينها ثورة 23 يوليو؟

ـ هذا دور الدولة فهى التى عليها الدعوة لهذا المشروع النهضوى، والتاريخ يوضح لنا أن عصور النهضة التى شهدناها جاءت حينما آمنت القيادة السياسية بأهمية الثقافة فى تحقيق النهضة، سواء فى عصر محمد على أو جمال عبدالناصر، والمثقفون هم زاد هذا المشروع وبدونهم لا تتحقق النهضة، أما المنوط به وضع هذه السياسة واتباع هذا المنهج وتمويله وتشجيعه وتوصيله للنجوع والقرى فهو الدولة، فلا تنهض أى من الدول دون أن تتبنى مشروعا ثقافيا ضمن رؤيتها المستقبلية للوطن، ويكون المثقفون أداة هذا المشروع وزاده.

■ لكن الدولة لم تقدم أى شىء فى هذا الصدد بعد الثورة، فما السبب؟

ـ فعلاً الدولة لم تقدم حتى الآن مشروعاً ثقافياً واضحاً وجديراً بإقامة النهضة التى نحلم بها، والتى من أجلها قامت الثورة، والسبب فى ذلك هو أولا: إننا لم نعرف حتى الآن حكومة جاءت بعد الثورة أعربت عن إيمانها بالدور المحورى للثقافة فى تحقيق نهضة البلاد ورقيها، وثانيا: إن وزراء الثقافة المتعاقبين بعد الثورة كانوا أكثر الوزراء تغييرا، فقد تعاقب علينا نحو 6 وزراء خلال 5 سنوات، وهو معدل لا يسمح لأى وزير أن يصنع أى شىء، ناهيك عن وضع مشروع ثقافى وإقناع الحكومة بأهميته، لكننى أعتقد أن الوزير الحالى، حلمى النمنم، قادر على تحقيق هذا المشروع، لو أعطى له الوقت الكافى، فلديه رؤية واضحة لدور الثقافة فى المجتمع عبر عنها فى كتاباته ودراساته، لكن عليه أن يضع هذه الرؤية فى مشروع ثقافى عام تتبناه الدولة.

■ ما رؤيتك للمشروع الثقافى المنتظر؟

ـ رؤيتى قمت بوضعها فى الدستور، وهى تقوم أولا على أن الثقافة خدمة وليست سلعة، لذا فهى حق لكل مواطن وعلى الدولة أن تكفله وتلتزم بدعمه وبإتاحة المنتج الثقافى بجميع أنواعه لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك، وتلتزم الدولة فى ذلك بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة.

■ وما معوقات تنفيذ هذه الرؤية؟

ـ لا يمكن تطبيق هذه الرؤية، وما زالت الدولة تفرض ضرائب على جميع المواد الثقافية بما يرفع تكلفتها ويحول بين وصولها للمواطن العادى، وهذا واضح فى صناعة الكتاب، على سبيل المثال، فكل ما يدخل فى هذه الصناعة مثل الأوراق والأحبار وآلات الطباعة، تفرض عليه الحكومة ضرائب ورسوما جمركية عالية ترفع من سعر الكتاب بما لا يتناسب مع مستوى المواطن العادى، والغريب فى الأمر أن أرخص ما فى العملية الثقافية هو المثقف نفسه، فلابد أن يكون مثلا هناك مشروع كبير للحكومة يحقق هذا المبدأ الدستورى، مثل ما كان فى الستينيات حيث كانت سلسلة المكتبة الثقافية التى قرأنا فيها أمهات الكتب بثلاثة قروش زادت بعد ذلك فأصبحت خمسة قروش، أو حتى مثل مشروع مكتبة الأسرة الذى نشر الفكر والثقافة بشكل واسع.

بدون تحقيق هذا المبدأ الدستورى لن نتمكن من محاربة التطرّف الدينى الذى مازلنا نواجهه حتى الآن بالأمن وحده، إضافة إلى أن الحكومة بدون تطبيق هذا المبدأ ستصبح غير دستورية.

■ طرحت فكرة إنشاء مجلس رئاسى استشارى للثقافة، ما ملامح هذا المقترح؟

ـ طالبت بمجلس رئاسى استشارى للثقافة،، وما زلت أطالب بضرورة أن يشكل هذا المجلس، بل وبأن يكون ممثلا فيه عدد من المثقفين العرب، لأنه لا يمكن أن تكون هناك ثقافة مصرية دون النظر للبعد الثقافى العربى، ولأن الثقافة يجب أن تكون اختصاصا رئاسيا، لأنها قوة مصر الناعمة وهى بذلك تتصل اتصالا وثيقا بالأمن القومى.

■ قرر اتحاد الكتاب فى عهدك التحقيق مع على جمعة، المفتى السابق، بسبب زيارة القدس، لأنه عضو فى الاتحاد، فما رأيك فى زيارة البابا تواضروس الثانى للقدس، مؤخراً؟

ـ أنا ضد التطبيع من حيث المبدأ، لأنى ما زلت أرى أن العدو الأول لمصر والوطن العربى هو إسرائيل، لكنى أرى أن مفهوم التطبيع بحاجة إلى مراجعة، خاصة أن الفلسطينيين يصرخون ليلا ونهارا، مطالبين بعدم تركهم بمفردهم فى مواجهة إسرائيل، ويرددون أن الأجانب يذهبون إليهم من كل بقاع الأرض ويقفون معهم، بل وبعضهم يضحى بحياته دفاعا عنهم مثل راكيل كورى، فهم يطالبون بوجودنا معهم، لأن أراضى وعقارات القدس تباع فأين أثرياء العرب حتى لا تباع للإسرائيليين؟ ولذلك أقول إنه لابد أن نعيد النظر فى التطبيع ومفهومه، كما راجعناه فى السابق، ففى وقت مضى كان ممنوعا دخول أى شخص يحمل جواز سفر إسرائيلى لمصر حتى وإن كان فلسطينيا، لكن تم تغيير ذلك، فلابد أن نعيد تعريف التطبيع، ونعرف ما هى المقاطعة المطلوبة فى هذه المرحلة، وأن نتفق على هذا المفهوم الجديد، ثم نحاسب من يخرج على هذا الإجماع، أما أننا نحاسب أحدا اليوم على التطبيع، ونقول نحن ملتزمون بعدم التطبيع دون أن نأخذ فى الحسبان المستجدات التى طرأت على الوضع فهذا لا يجوز، وأدعو المثقفين العرب جميعاً، بالاشتراك مع الإخوة الفلسطينيين الذين يطالبون بزيارة للقدس، أن يجلسوا سوياً ويحاولوا تعريف التطبيع وفق متغيرات القضية وثوابتها قبل أن نحاسب أحدا على زيارته إلى القدس.

■ وما الجهة المنوط بها تنظيم مثل هذه الجلسة؟

ـ اتحاد الكتّاب العرب، وكنا نبحث هذا الأمر فى الاتحاد بدعوة من الإخوة الفلسطينيين أنفسهم، لابد أن يكون هناك مؤتمر عام يدعو له الاتحاد، وأنا أطالب رئيس «الاتحاد» القادم بالقيام بهذا الدور لبحث الموضوع لأنه غاية فى الأهمية.

■ ولماذا رئيس «الاتحاد» القادم؟

ـ لأن مدة رئاستى للاتحاد تنتهى هذا الشهر، وأعلنت أننى لن أترشح لفترة جديدة.

■ ولماذا لا تستمر كرئيس اتحاد الكتّاب العرب، وهل حقيقى أنك تركت اتحاد كتّاب مصر لوجود بعض عناصر إخوانية فيه؟

ـ قررت ألا أتولى أى منصب تنفيذى بعد بلوغى السبعين حتى أتفرغ للعمل الإبداعى وأنجز الكتب التى حالت دونها ظروف حياتى، وأقرأ الكتب التى أريدها، وأستمتع بحياتى وبأحفادى، ولذلك تركت رئاسة اتحاد كتاب مصر الذى شرفت بأن اختارنى الآن رئيسا شرفيا، وكذلك سأترك رئاسة اتحاد الكتاب العرب، وأنا لم أخش فى يوم الإخوان أو غيرهم، فقد واجهت كبيرهم حين كان رئيسا للجمهورية، وعلى فكرة لا يوجد إخوان بين المثقفين إلا عدد ضئيل، فلم نسمع فى يوم عن أى مبدع أو ممثل أو مسرحى أو موسيقى أو فنان تشكيلى إخوانى، حتى إن ما كتبه سيد قطب فى الشعر أو النقد كان قبل انضمامه للجماعة.

■ على ذكر التمثيل، كتبت العديد من الأعمال المسرحية الناجحة مثل «سالومى» و«الجنزير» و«فوت علينا بكرة»، ثم هجرت المسرح، لماذا؟

ـ لم أهجر المسرح، بل هو الذى هجرنا جميعا، ولو عاد لعدت إليه، فالكاتب المسرحى لا يكتب من أجل النشر وإنما بهدف العرض، وأنا مازلت مولعا بالمسرح، وكلما سافرت إلى لندن أو نيويورك أمضيت أمسياتى كلها تقريبا فى المسرح، وكنت طول عمرى مغرما به، حتى قبل أن أكتبه، كنا ندرس كل سنة بمدرسة فيكتوريا كوليدج إحدى مسرحيات شكسبير وفى نهاية العام نقدمها على المسرح، وأثناء دراستى بالجامعة، كنت أشاهد كل مسرحيات توفيق الحكيم وألفريد فرج ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوى ورشاد رشدى ونعمان عاشور، وترأست فريق التمثيل بالكلية، وأذكر أن المخرج حسام الدين مصطفى جاء إلى كلية الآداب ليختار بعض الطلبة الموهوبين للتمثيل فى أحد الأفلام التى كان بصدد إخراجها، وكنت من بينهم فشاركت فى مشهدين بأحد الأفلام الكوميدية لفؤاد المهندس، وساهمت تجربتى فى التمثيل، خاصة فى المسرح، فى تكوين قدراتى كمؤلف، مثلما كان الحال مع الكثير من المسرحيين، فشكسبير كان ممثلا، وكذلك موليير، وروى لى توفيق الحكيم أنه كان يمضى وقتا طويلا فى بداية حياته داخل كواليس «مسرح عكاشة» يخالط الممثلين ويتابع خلفيات العرض المسرحى.

■ البعض يحسبك على نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، رغم روايتك «أجنحة الفراشة»، التى تنبأت بالثورة ضد حكمه، لأنك توليت العديد من المناصب فى عهده، والبعض الآخر يحسبك على نظام عبدالناصر، بسبب إيمانك بمبادئه، وفريق ثالث يحسبك على نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأنك كنت متحمسا له فى الانتخابات الرئاسية، كما كنت متحدثا رسميا باسم لجنة الخمسين للدستور، فإلى أى نظام تنتمى؟

ـ المثقف لا ينتمى للأنظمة السياسية، فهو يتفق أو يختلف مع سياساتها، وكل الأنظمة التى ذكرتها لدى ما اتفق معها فيه وما أختلف، ومعظم المواقع التى شرفت بشغلها كانت بالانتخاب وليس بالتعيين.

■ كانت رواية «أجنحة الفراشة» بمثابة قراءة لمقدمات الثورة على نظام مبارك على نحو استشرافى وكأنها كانت مقابلا لرواية «شىء من الخوف» التى ظهرت فى عصر عبدالناصر، فهل يمكن أن نتوقع رؤية إبداعية مماثلة تقدم قراءة لعهد السيسى؟

ـ عصر السيسى يجب أن يحكم عليه من خلال ما كان قبله، لأنه تأسيس لدولة جديدة بعد الوطن الذى أراد الإخوان تأسيسه على أنقاض الدولة المصرية العريقة، وهذا إنجاز فى حد ذاته، لأن الاضطرابات والفوضى والانفلات الأمنى وغيرها من المظاهر التى تلت سقوط نظام مبارك كادت تودى بالبلد إلى مصير دموى خطير، كما حدث فى الدول المجاورة، مثل ليبيا وسوريا واليمن، وجاء الإخوان واستطاعوا أن يختطفوا الثورة والدولة، وكاد الوطن أن يضيع تماماً، وعندما أتى حكم السيسى وأعاد الأمر إلى نصابه أدرك الرأى العام ذلك تماما وقدّره، ولكن الرأى العام يعلم جيداً أن أهداف الثورة لم تتحقق كلها بعد، لأن أهدافها كبيرة وطموحة وطويلة المدى بطبيعتها، فالتنمية الاقتصادية لا تتم بين يوم وليلة، وكذلك الرعاية الصحية وإصلاح التعليم، ولذلك الناس ما زالت صابرة لم تنزل الشارع مرة أخرى لتقول إن أهداف الثورة لم تتحقق، لأنها ترى أن مصر تسير على الطريق الصحيح، وهم على استعداد أن يمنحوا النظام الحالى فرصة لتحقيق هذه الأهداف، التى من أجلها خرج الشعب بكل فئاته يطالب بالتغيير.إذن فالنظام الحالى حقق هدفا مهما جدا، وهو حماية الدولة فى وقت تنهار فيه الدول من حولنا، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لكن التحدى الأكبر الذى يواجه النظام هو كيف يحقق خلال الـ4 سنوات الأولى له بعض أهداف الثورة التى تسمح للشعب أن يجدد الثقة فيه بعد انتهاء المدة الرئاسية الأولى.

وليس معنى هذا الكلام أنه لم يتحقق أى شىء من أهداف الثورة، فإلى جانب الحفاظ على الدولة وعودة الأمن والاستقرار، نجد إعادة التوازن إلى سياستنا الخارجية، بعد أن كنا منحازين إلى قوة عظمى واحدة، وهناك التأكيد على دور وانتماء مصر العربى، والإصرار على العدالة الاجتماعية فى التوجهات السياسية الحالية، وكانت هذه كلها من بين الأهداف الكبرى للثورة سواء فى ٢٥ يناير أو فى ٣٠ يونيو، لكن أهدافا كثيرة باقية، على النظام تحقيقها، وعندما كتبت «أجنحة الفراشة» كان النظام فى آخر عمره الافتراضى، وتوقعت حدوث شىء من الانفجار يغير الوضع، ويأتى بنظام جديد، لكن الآن نحن أمام نظام وليد فى بداية عهده، وليس نظاما يحتضر كما كان نظام مبارك، ولذلك الآمال قائمة، والناس مازالت تأمل الكثير فى هذا النظام، فالقياس غير وارد تماما بين النظامين، وإنما هى صورة عكسية، وليست هناك «نبوءة أدبية» الآن تدعو للخوف على نظام السيسى.

■ وكيف ترى حديث الرئيس عن أن الدستور كُتب بحسن نية؟

ـ الدستور كتب بحسن نية هذا صحيح، وهكذا تكتب الدساتير، فالدساتير لا تكتب بسوء نية، وواجب المجتمع أن يرتقى بأدائه ليصل لمستوى هذه النية الحسنة، ويجب أن نرتفع كمجتمع وكدولة إلى مستوى هذه النية الحسنة كى نطبق الدستور بالروح التى كُتب بها، لا أن نهبط بالدستور إلى مستوى الواقع الذى لا يرضى أحدا والذى نسعى جميعا للتقدم به إلى الأمام.

■ ماذا عن الذين يطالبون بتعديل الدستور؟

ـ من يطالبون الآن بتعديل الدستور كلامهم مضحك، أولا: لأن الدستور لم يطبق بعد، فالدساتير تتغير عندما يتم تطبيقها، ونكتشف أن هناك بعض الثغرات أو المواد التى تحتاج إلى تعديل، لكن أن نعدل دستورا قبل أن يُعمل به أو يتم اختبار صلاحياته، فهذا شىء غير مفهوم وغير معمول به فى أى مكان فى العالم، وثانياً: لأن الدستور نص على طريقة تعديله، فلا يجىء أحد يتصور أنه يستطيع أن يتقرب من رئيس الجمهورية، ويدعى أنه حريص عليه أكثر من الشعب الذى انتخبه، فيطالب بصلاحية أكبر للرئيس من خلال تعديل الدستور، رغبة فى أن يمنحه صلاحيات مثل صلاحيات سابقيه، والتى ركزت كل السلطات فى يد رئيس الجمهورية فحالت دون الممارسة الديمقراطية الحقيقية التى من أجلها قامت الثورة. وأقول لهؤلاء إن الدستور الحالى يعطى رئيس الجمهورية الصلاحيات الكاملة المعمول بها فى النظم الديمقراطية، فهو فى هذا النظام يتمتع بالصلاحيات الواجبة، لكنه ليس الوحيد الذى يتمتع بالصلاحيات، فإذا نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية مثلاً وجدنا الصراع الدائم، الذى يخوضه رئيس الجمهورية مع الكونجرس يومياً، ومع ذلك هذا لن يحدث عندنا، لأن البرلمان فى ظل الدستور الحالى ليست له صلاحيات مثل الكونجرس، لكنه يشارك الرئيس فى بعض المسؤوليات مثل تشكيل الحكومة، كما يشارك رئيس الوزراء رئيس الجمهورية فى وضع السياسات، فلم يعد من صلاحيات الرئيس تشكيل الحكومة بشكل مطلق فيضع فيها أصدقاء ابنه مثلا، ولا من صلاحيات الرئيس وحده أن يسافر إلى إسرائيل بالمخالفة لكل الثوابت، فلابد أن يحصل على موافقة البرلمان الذى يمثل الشعب وأن يشرك معه رئيس الوزراء، فإذا رفض البرلمان مثلا التشكيل الوزارى فعلى البرلمان أن يشكل هو الحكومة، ويطرحها للثقة، وإذا لم تحصل على الثقة انحل البرلمان، وذلك حتى لا يستخدم هذه السلطة فى غير موضعها، فالمسألة مدروسة بدقة تعطى كل سلطة حقها وتعطى حدودا لسلطتها، والعمل السياسى الحق الذى نستطيع أن نطلق عليه وصف الديمقراطى هو الذى ينتج عن التفاعل الصحى بين مختلف مراكز اتخاذ القرار.

■ وكيف ترى دور البرلمان المقبل؟

ـ سيكون أخطر برلمان عرفته مصر، لأن مهمته خطيرة وتاريخية، وهى تطبيق نصوص ذلك الدستور العظيم الذى أقره الشعب بنسبة تقترب من الإجماع لكنه لم يطبق حتى الآن، فهو الذى سيصدر التشريعات التى تحول نصوص الدستور إلى قوانين تحكم حياة المواطنين، فمصر لديها الآن آلاف القوانين غير الدستورية، ونطبق تشريعات وقوانين غير موجودة فى الدستور، بل مناقضة له، ولذلك على البرلمان أن يعيد صياغة وتعديل وتنقيح التشريعات الموجودة التى تقدر بـ66 ألف تشريع، بعضها يعود لفترة الحكم العثمانى، وجميعها تم إصدارها فى ظل أنظمة سياسية لم تعد قائمة ودساتير ملغية، ولذلك تجب مراجعة كل هذه التشريعات، وتلك مهمة تكاد تكون مستحيلة، ولذلك فإنى أقترح على البرلمان أن يبدأ بداية أخرى، وهى أن يضع أمامه الدستور ثم يصدر القوانين واللوائح التى تطبق مواده الـ247، وبعدما ينتهى ويقول إن كل ماعدا هذه القوانين واللوائح لاغ، ولا ننسى مهمة أخرى للبرلمان وهى أن ينظر فى القوانين التى صدرت فى غيابه، فى عهد الرئيسين عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى، وهى ليست قليلة بل تقدر بنحو 300 قانون، وعليه إما أن يقرها أو يلغيها، ومن بينها قوانين مثيرة للجدل، مثل قانون التظاهر، وأعتقد أنه يجب على البرلمان أن يراجع هذا القانون بصفة عاجلة، فإما أن يلغيه أو أن يعدله بشكل ينهى التحفظات القائمة بشأنه، بل أكاد أقول إن مصداقية البرلمان المقبل ستكون معلقة بمثل هذه القوانين الخلافية وفى مقدمتها قانون التظاهر، الذى صدر قبل فترة رئاسة السيسى، وتحمل الرئيس تبعاته.