بنت المملكة العربية السعودية صورتها في المحيط العربى والإسلامى منذ تأسيسها عام 1932، باعتبارها حامية الإسلام السنى الوهابى المحافظ على نقاوة الإسلام دون بدع، فهى مهبط الرسالة المحمدية، موقعها يجعل لها مكانة مقدسة نظرا لوجود الكعبة المشرفة على أراضيها ومسجد الرسول وقبره، وهى أقدس الأماكن بالنسبة لملايين المسلمين حول العالم، وبالنسبة للعالم، حرصت السعودية على انتهاج سياسة خارجية محافظة ومستقرة، وخاصة مع أمريكا والغرب، كما حرصت على تأسيس زعامتها الخليجية ومكانتها العربية الإسلامية المتميزة، لم يحدث أي تغيرات جوهرية تذكر في سياسة المملكة الداخلية والخارجية حتى وفاة الملك عبدالله، في يناير من العام الحالى، عام 2015 كان عام تحولات كبرى بالنسبة للمملكة، حيث بدأت فصلا جديدا على يد الملك سالمان بن عبدالعزيز، الذي أحدث تغيرات جذرية في هيكل الحكم المتوارث عبر أجيال، ثم جاء تعيينه لابنه محمد وزيرا للدفاع، وعادل الجبير وزيرا للخارجية ليحدث تغيرات ملموسة في سياسة المملكة الكلاسيكية.
ظلت المملكة العربية السعودية محافظة في سياستها الخارجية حريصة على أن تعمل من وراء الستار، ولا تلوث يديها في أي صراعات خارج حدودها بصورة مباشرة، لكن مع وجود وزير دفاع شاب متحمس ومندفع، ليست له خبرة تذكر في أمور الحرب ولا التخطيط الاستراتيجى، يريد أن يثبت وجوده وكفاءته، وجد في الحرب المباشرة في اليمن الحل الوحيد للرد على انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران على الشرعية في اليمن ومخاطر ذلك على الأمن السعودى وامتداد النفوذ الإيرانى ليطوق السعودية. السعودية الجديدة كانت تريد أن تثبت أنها لم تعد تكتفى بتحريك الأمور من بعيد والضغط أثناء التفاوض بكروت كثيرة تحملها، ولكنها قادرة على النزول إلى الميدان وتغيير الواقع بالقتال واستخدام الأسلحة التي تملأ المخازن، ولكن بعد مرور ما يقرب من 9 أشهر على بداية عاصفة الحزم لم يحسم الأمر في اليمن السعيد، الذي أدت ضربات التحالف بقيادة السعودية إلى تدمير جزء كبير من بنيته الأساسية وقتل وتشريد الآلاف من المواطنين الأبرياء.
لقد فتحت المملكة جبهة في الجنوب قبل أن تغلق الجبهة السورية الشمالية المفتوحة منذ سنوات، السعودية أعلنت بوضوح ومنذ البداية عن رغبتها وعزمها على الإطاحة بنظام الأسد الموالى لإيران، ومن أجل ذلك تدعم الجيش الحر وكل قوة معارضة تواجه نظام الأسد، ومن هذا المنطلق كان يتم تدريب قوات جبهة النصرة (التابعة لتنظيم القاعدة) فى الأراضى التركية بتمويل سعودى- خليجى للحرب في سوريا، وفى المقابل استعان الأسد بقوات حزب الله والحرس الثورى الإيرانى لمساندته، لم ينجح فرع القاعدة الممول في سوريا في القضاء على الأسد ولا الجيش الحر في حسم الحرب الدائرة بسبب الدعم الإيرانى.
في العراق، نجح تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، التابع لـ«القاعدة» أيضا، والذى يضم خبرات عسكرية عراقية، في كسر شوكة نظام المالكى الشيعى، الذي مُنى بخسائر فادحة وترك جيش الموصل ليسقط في يد التنظيم، ومن هنا بدأ التفكير في تكرار التجربة في سوريا.
بعد أن استتب الأمر لتنظيم الدولة في العراق عرض الاندماج مع «جبهة النصرة» وتكوين دولة العراق والشام الإسلامية «داعش»، فى إبريل من عام 2013، لكن جبهة النصرة رفضت الاندماج وعارض أيمن الظواهرى «زعيم القاعدة» الأمر أيضا، ولكن داعش لم تتراجع وحاربت جبهة النصرة، النظام السورى استفاد من حرب الشركاء القدامى، وانتهى الأمر بتمدد داعش التي سيطرت على آبار البترول في العراق وسوريا وأصبح لها مواردها الخاصة وجذبت مجندين من جميع أنحاء العالم، باستخدام وسائل الاتصال الحديثة على الإنترنت، وأقدمت على مجموعة من عمليات ذبح لرهائن غربيين للترهيب والترغيب.
الوحش الذي تمت تربيته لكسر شوكة الشيعة في العراق وهيبة الأسد في سوريا تضخم ولم يعد تحت السيطرة، وخاصة بعد أن تحول لـ«براند» تسعى التنظيمات الجهادية المتطرفة لإعلان البيعة له، فهو التنظيم الجهادى الوحيد الذي يسيطر على أرض وله عمله ويدفع رواتب لموظفيه ويحمى المواطنين التابعين له كما يعاقب المخالفين بعنف.
قضمت داعش يد أسيادها، ذبح الصحفى الأمريكى جيمس فولي في أغسطس 2014 فرض على أوباما إعلان تكوين تحالف دولى لقصف داعش، وكانت البداية في سبتمبر من العام الماضى، وأعلن مسؤولون أمريكيون- حينذاك- أنهم يحتاجون لسنوات للقضاء على داعش وسط دهشة العالم.
بعد أكثر من 6 آلاف طلعة جوية للطيران الأمريكى ازدادت داعش قوة، وكأن هذه الطلعات ترمى همبورجر على مقاتليه وليس قنابل، وامتدت يد داعش الإرهابية لخارج حدود العراق والشام إلى السعودية ومصر وتونس وليبيا.. وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة، ومخاوف السعودية تزداد.
وللحديث بقية في المقال القادم