تعيش المجتمعات الطبيعية والعاقلة وهى تحمل هموم واقعها، وتحلم وتنتظر مستقبلاً أفضل تقل فيه المخاوف والمواجع والأحزان والمواجع.. ولا يسعى أى من تلك المجتمعات العاقلة أو يتمنى ويحاول اختلاق مشكلات وأزمات جديدة يضيفها إلى ما يعايشه ويواجهه بالفعل.. ونحن فى مصر أصبحنا للأسف نسعى فى كل نهار جديد لاختراع أزمة جديدة كأنه ليس يكفينا ما نملكه ونشكو منه وندفع ثمنه طوال الوقت من هموم وعذابات وجروح.. يقوم بذلك فى مصر من ينقصهم الوعى أو إدراك أننا كلنا الآن نسكن بلدا لايزال يشكو الاضطراب والارتباك، بحيث تستطيع أى كلمة غير عاقلة أو خبر غير حقيقى إثارة حرائق جديدة وفتنة لم يكن لها داع أو ضرورة.. وبعض هؤلاء لا يعرف ذلك لأنه محبوس طوال الوقت داخل دائرته الضيقة عاجزا عن رؤية الصورة كاملة بمنتهى الوضوح.. والبعض الآخر يملك الوعى لكنه لا يحفل إلا بجذب مزيد من الأضواء وانتباه الناس واهتمامهم به حتى لو كان هذا الاهتمام هجوما وانتقادا قاسيا وجارحا.. وعلى سبيل المثال بدأ كثيرون فى الوسط الرياضى يسعون ويحلمون بعودة الجماهير لملاعب الكرة.. يتخيلون أنه بات من الممكن مواجهة التعصب وحماقاته وجنون الانتماء الزائف المغالى فيه الذى سبق أن أسفر عن كارثتين فى استادى بورسعيد والدفاع الجوى.. ووجدنا وزيرا للرياضة ومسؤولين عن الكرة وإعلاميين كثيرين يتقاسمون هذا الحلم وتلك المحاولات لفتح أبواب الملاعب.. وفجأة.. وسط كل تلك المحاولات.. نجد بعض هواة الصخب والصراخ والمزيد من الأضواء والاهتمام بأى ثمن يشعلون نار الرعاية الرياضية.. يخرجون للناس ثائرين ورافضين أن تقوم إحدى الشركات الكبرى والشهيرة برعاية النادى الأهلى.. يحاولون تدشين حملة لمقاطعة تلك الشركة التى انحازت للأهلى فاستحقت غضب جمهور الزمالك.. ولا تعنينى هنا تلك الحملة التى لن تنجح أو تعنينى تلك الشركة التى تستطيع الدفاع عن نفسها وخياراتها وقراراتها.. لكن يعنينى هذا الفكر الذى نجد مثله كثيرا فى كل مجالات وزوايا حياتنا وليس كرة القدم وحدها.. ولا أعرف إلى أى أسس يستند أصحاب هذا الفكر وتلك الدعوة لمقاطعة إحدى الشركات لمجرد أنها قامت برعاية ناد رياضى وبدأت تنثر إعلانات رعايتها لهذا النادى.. ففى أوروبا وحدها هناك مئات الرعاة الذين يقدمون الكثير من المال لمئات الأندية.. ولم نجد جماهير ريال مدريد تقاطع رعاة برشلونة أو جماهير تشيلسى تحارب رعاة مانشستر يونايتد.. ومنذ أسابيع قامت الخطوط الجوية القطرية بتوقيع أكبر عقد رعاية فى التاريخ مع برشلونة، وقالت الشركة إنها اختارت النادى الأقوى والأشهر عالميا الذى يستحق سبعين مليون يورو فى السنة.. ولم تغضب مدريد من هذا الكلام.. تماما مثلما لم تغضب جماهير الأندية الإنجليزية رغم تعصبها من شركة شيفروليه حين اختارت مانشستر يونايتد ووقعت معه أكبر عقد للرعاية فى تاريخ الكرة الإنجليزية.. فالقضية فى النهاية لم تكن تستحق كل تلك الضجة التى حاول إثارتها والاستمتاع بها الذين لا يفكرون ولا يحبون أن يفكر أى أحد غيرهم.