«ليالى الحلمية» وطريق الألغام!

طارق الشناوي الخميس 03-12-2015 21:13

نظرياً من حق أيمن بهجت قمر وعمرو محمود يس تقديم جزء سادس من «ليالى الحلمية» يرصد السنوات العشر الأخيرة من حياتنا، وبالمناسبة يحيى الفخرانى قال لى إنه يرحب ولا يصادر على خيال أحد، وإن أيمن اتصل به ووافق، رغم أنه لا يوجد امتداد درامى لـ «سليم البدرى» ولا لمنافسه العجوز «سليمان الغانم» صلاح السعدنى.

ولكن يبقى أن الوقوف على أكتاف عمل فنى حقق كل هذه الجماهيرية فى ضمير المشاهد المصرى والعربى وباتت شخصياته وكأنها اخترقت شاشة التليفزيون لتستقر فى البيت والشارع من خلال مرحلة زمنية كان فيها المسلسل أقرب إلى وثيقة درامية تكشف وتروى حالنا منذ نهاية الثلاثينيات حتى الثمانينيات، بقدر ما هى فكرة شائقة فإنها مغامرة شائكة، الدخول إلى «ليالى الحلمية» حتى ولو كان برؤية زمنية تمس اللحظة يبدو رهانا صعبا وقفزة إلى المجهول.

من الناحية القانونية لا توجد عوائق ولا يمكن أن ندين ورثة كاتبنا الكبير أسامة أنور عكاشة على الموافقة سواء كان هناك مقابل مادى أم لا، فهذا حق لا نقاش فيه، وكان ينبغى أيضا استئذان ورثة المخرج إسماعيل عبدالحافظ فهو شريك أصلى فى رسم ملامح الشخصيات على الشاشة، إلا أن هناك عوائق نفسية ستواجه صُناع المسلسل، أولها أن الجمهور نفسه لديه رصيد ضخم من ذكريات لا تُنسى مع «البدرى» و«الغانم» و «نازك» و«زينهم» و«خلة» وغيرهم، هؤلاء حفروا بعمق فى وجداننا، فى الجزء الخامس كانوا يودعون الحياة وبعضهم غادرها دراميا ثم جسديا مثل «زينهم السماحى» سيد عبدالكريم، فلا وجود مباشراً لهم فى «السادس»، ولكن أصداء تلك الشخصيات من المستحيل أن تغيب.

كان «الخامس» هو أضعف حلقات «الحلمية»، الفخرانى اعترض وقتها عليه ووافق فقط على الظهور كضيف شرف، وكان من المستحيل بالطبع إسناد دوره لممثل آخر.

ويبدو أن المصريين يعيشون حالة أقرب إلى «النوستالجيا» لزمن الليالى الذى تحول إلى ظاهرة وقتها فى الشارع حيث وجدنا أمامنا العديد من المقاهى تُطلق على نفسها «ليالى الحلمية» بالطبع لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الدافع الأساسى وراء اللهاث وراء القديم، هو طلب حق اللجوء لمسلسل ناجح على طريقة من جاور السعيد يسعد، ولكن من قال إن هذه دائما هى الوصفة الصحيحة، ألم نشاهد مثلا قبل عامين مسلسل «الزوجة الثانية» وكيف أنه عند إحالته من فيلم لا يُنسى إلى مسلسل تليفزيونى أثار الكثير من الاستهجان، وهناك مثلا «العار» استلهمه كاتبه أحمد محمود أبوزيد من أبيه الكاتب الكبير وتستطيع أن تقول إنه نجح بدرجة مقبول، ولكن لايزال «العار» هو فيلم «العار»، الذى حصل على درجة الامتياز وترك مساحة لا تُنسى فى الوجدان.

«الحلمية» رهان أصعب سيظل فى لا شعور المتفرج دائما خيالاً لا يُنسى حتى الذى لم يعاصره فلقد شاهده فى الإعادة، هناك أجواء يجب أن تراعى، وبناء شخصيات علينا أن نشم من خلالها أجواء حلمية «عكاشة وعبدالحافظ»، وإلا فما هى الجدوى أن يصبح أمامنا جزء سادس لو كنا بصدد عمل درامى مقطوع الصلة بالماضى، تمت الاستعانة بالمخرج مجدى أبوعميرة، طرح اسم أبوعميرة ليس عشوائيا، فهو ينتمى إلى زمن «الليالى» وفى الأغلب سوف يحافظ ليس فقط على الأجواء، ولكن التكنيك الإخراجى سيذكرنا بالليالى.

عدد ممن شاركوا فى الليالى رحبوا بالعودة لو طلب منهم وأتصور أن أسماء مثل صفية العمرى وحسن يوسف ومحسنة توفيق وإنعام سالوسة ولوسى وممدوح عبدالعليم وآثار الحكيم أو إلهام شاهين لأنهما لعبتا نفس الدور «زُهرة» لن يمانعوا، الخروج لآفاق أرحب هو الطريق الوحيد لليالى. إلا أن الناس ستظل طرفا قاسيا فى التعاطى مع المسلسل، كانت ليالى الحلمية حتى الرابع لؤلؤة نادرة فى تاريخ دراما ماسبيرو وسوف ينتظر الجمهور بترقب وتحد لؤلؤة أخرى ولن يقبل بما هو أقل، الجمهور لن يكون محايدا، فهو بقدر شغفه بليالى الحلمية «سادس مرة» بقدر ما سيكون قاسيا فى حكمه أكثر بكثير من النقاد الذين هاجموا التجربة قبل أن يشاهدوها أمامهم.