«الحجيج» الذين أشار إليهم أوباما

منار الشوربجي الثلاثاء 01-12-2015 21:26

عندما أراد الرئيس الأمريكى أن يعبر عن معارضته لموقف الجمهوريين، وبعض الديمقراطيين، الرافض لدخول اللاجئين السوريين الأراضى الأمريكية، استدعى من تاريخ بلاده صورة المهاجرين الأوائل الذين وطئت أقدامهم أرض القارة الجديدة فى القرن السابع عشر. غير أنه استدعى من ذلك التاريخ صورة بعينها ذات معانٍ ودلالات ترتبط ارتباطاً مباشراً بالطابع الإمبراطورى للسياسة الأمريكية. فهو قال إنه «بعد أربعة قرون من إبحار سفينة مايفلاور، لايزال العالم يعج بالحجيج. إنهم رجال وسيدات لا يبحثون إلا عن فرصة لهم ولأسرهم للعيش فى أمان وبناء مستقبل أفضل».

وقد جاءت كلمات أوباما كرد مباشر على الهستيريا التى تشهدها الساحة السياسية الأمريكية، منذ جريمة باريس الإرهابية، بخصوص برنامجه لاستقبال عشرة آلاف لاجئ سورى على مدار العام. وهى هستيريا لأنها انطوت على مقولات بالغة العنصرية ضد العرب والمسلمين عموماً والسوريين خصوصاً.

فمرشح الرئاسة الجمهورى دونالد ترامب دعا لإجراءات فاشية على غرار ما جرى فى ألمانيا النازية ضد اليهود. فهو طالب بإقامة قاعدة بيانات للمسلمين وحدهم فى أمريكا، وإصدار بطاقات هوية تميزهم، فضلاً عن زعمه أنه بعد أحداث سبتمبر 2001، «شاهد» فى مدينة نيوجرسى «الآلاف والآلاف من العرب» يحتفلون بالجريمة الإرهابية. وهو ما كذبته السلطات الأمريكية. أما المرشح الجمهورى بن كارسون، فقد وصف اللاجئين السوريين «بالكلاب المسعورة»، بينما أطلق مرشحون يوصفون بالاعتدال مثل جيب بوش اقتراحاً بقبول اللاجئين على أساس دينهم، بحيث لا يسمح بدخول المسلمين منهم، وهو الاقتراح نفسه الذى يتمسك به المرشح الجمهورى تيد كروز الذى هو نفسه ابن لمهاجرين كوبيين بالمناسبة! أما ماركو روبيو، الذى ولد لأبوين هاجرا من كوبا هو الآخر، فقد اقترح استقبال النساء والأطفال والطاعنين فى السن فقط دون باقى عائلاتهم!

ورغم أن موقف أوباما كان إيجابياً فى مواجهة تلك الهستيريا العنصرية، إلا أن استخدامه لتعبير «الحجيج» تحديداً هو استدعاء لأسطورة يعتبرها المتخصصون فى الشأن الأمريكى الأساس لما يطلق عليه «الدين المدنى» فى أمريكا. والقصة تقول إن البيوريتانيين البروتستانت الذين هاجروا من إنجلترا فى القرن السابع عشر بسبب الاضطهاد الدينى، نظروا لأنفسهم وهم يعبرون الأطلنطى باعتبارهم «حجيج»، يكافحون لبناء مجتمع مسيحى متدين، فإذا نجحوا فى بناء «مملكة الله على الأرض»، كانوا نموذجاً للبشرية يجسد «مكافأة الله للمؤمنين من عباده». ورغم أن الجانب الدينى فى القصة لم يعد حياً فى العقل الجمعى الأمريكى، فإن الأسطورة نفسها لا تزال حية وتُستدعى طوال الوقت، كما فعل أوباما، وتمثل واحدة من أهم مفردات الثقافة السياسية الأمريكية.

فمنها تأتى أفكار كثيرة يستخدمها السياسيون لتبرير الطابع الإمبراطورى للسياسة الأمريكية، لأنها أفكار تضرب بجذورها فى عمق الوجدان الجمعى الأمريكى. فمنها تأتى فكرة «أمريكا كنموذج يحتذى»، وأنها «تحظى برعاية الله». ومن هنا يأتى الطابع «الرسالى» للسياسة الأمريكية، الذى هو أساس لفهم العقل الأمريكى فيما يتعلق بالتدخل الخارجى. ولأن أمريكا «تحظى برعاية الله»، فى الأسطورة، فهى بالضرورة «خيّرة» بل بريئة، الأمر الذى يعنى أن أعداءها بالضرورة يمثلون الشر المطلق. ومن هنا يأتى الطابع الحدى لمفردات كثيرة فى الخطاب الأمريكى. فمنها تأتى مفردات «الخير المطلق والشر المطلق» فى الخطاب السياسى، ومنها أيضاً يمكن استخراج مفردات أخرى مثل «معنا أو ضدنا». وأوباما ليس أول- ولن يكون آخر- رئيس أمريكى يستدعى مفردات تلك الأسطورة. فالخطاب السياسى الأمريكى يحفل بها دوماً.