تحت عنوان «إلا انحطاط الافتئات» نشرت «المصرى اليوم» عدد الخميس الماضى، مقالاً للكاتب والمفكر والأديب المبدع الكبير محمد المخزنجى، جاء مثل نص أدبى ممتع حتى إننى قرأته عدة مرات متوالية كأننى أعيد الاستماع إلى قطعة موسيقية يسحرنى جمالها رغم موضوع المقال الذى يثير الأسى والحزن والشجن.
العنوان يحذر من «انحطاط الافتئات»، ولكن بعد أن كاد يسود، والعنوان الفرعى يلخص كل شىء: «صارت أحط الاتهامات الكاذبة بالعمالة والخيانة ألعوبة على ألسنة المفلسين والمدعين يقذفون بها معارضى غوغائيتهم، وهى ممارسة خطرة على الأمة كلها حكاماً ومحكومين».
يقود المخزنجى الحملة ضد إنشاء مفاعلات نووية فى مصر، ويشرفنى أن أكون من مؤيديه، ولكن صحفيا وصفه المخزنجى بـ«الناصرى» اتهمه بالخيانة والعمالة فى مجلة تصدر فى لندن، ولست أعرف من يكون، ولا أرغب ولا أريد أن أعرف، وكان الكاتب على حق فى عدم ذكر اسمه، فلا حوار مع من لا يؤمنون بالحوار، ويعتبرون وجهات نظرهم مثل كل الفاشيين «مقاييس» للوطنية، وأنهم يملكون «الحقيقة» ويحتكرونها، وسجلوها باسمهم فى الشهر العقارى.
يكتب المخزنجى عن مضار المفاعلات النووية باعتباره «حرراً علمياً» محترفاً، فالعلوم من بين اهتماماته المتعددة، ولكنه حتى لو لم يكن كذلك، فالقضية ليست علمية، ولا سياسية، وإنما هى من أهم القضايا الفلسفية فى القرن العشرين مع التطور العلمى الهائل، والتى طالما شغلت كبار المبدعين فى أعمال أدبية وفنية، وهى قضية «العلم والأخلاق» وكم كان شاعر النيل حافظ إبراهيم على حق عندما قال فى قصيدته إلى شباب الجامعة فى العشرينيات: وأقيموا دولتى على العلم والأخلاق، فالعلم وحده ليس يجدى.
وبالطبع، فقد أثيرت هذه القضية بعمق، وأصبحت من قضايا الإنسانية كلها، بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقصف هيروشيما وناجازاكى فى اليابان بالقنابل الذرية عام 1945، والقنبلة النووية من أكاذيب العصر إن لم تكن أكذوبته الكبرى، فما قيمة القنبلة فى الهند وباكستان وعشرات الملايين من سكانهما يموتون من الجوع، وهل استخدمتها إسرائيل فى حرب أكتوبر، وهل تستطيع استخدامها فى أى وقت وهى تدرك أنها ستكون من ضحاياها حيث يمتد الإشعاع إليها كما فى كل المنطقة.
وبعد كارثة المفاعل الروسى وكارثة المفاعل اليابانى، اتجه العالم الذى يقود الحضارة الحديثة إلى استخراج الطاقة من الشمس، واشترى الاتحاد الأوروبى بالفعل شمس الجزائر، فهل نبيع شمس مصر أيضاً، ولا تكون للمصريين، أم ليس فى بلادنا شمس؟ يقول المخزنجى فى مقاله إنه توجع من الافتئات، لا تتوجع أيها المصرى النبيل، وليرتفع صوتك دائماً.