«مصر مع مين وضد مين»!

علاء الغطريفي الأحد 29-11-2015 22:05

يباغتنى بعد أسئلة غير مفهومة «إحنا مع وضد مين» أتوقف عن الكلام معه فإجابة السؤال تحتاج تدبراً وتفكيراً وليست إجابة سطحية ترضيه أو تخاطب شيئا ما يريده، فهو من السهل عليه أن يصطنع معرفة أو ينقل تعليقا على الـ«فيسبوك» مثل الكثيرين، خاصة إذا كان أحد أسرى السطحية، احترمت نفسى وانصرفت وأعدت ترديد السؤال فى ذهنى، كيف سنخطط سياستنا تجاه ما يحدث فى الشرق الأوسط بعد أن جاء العالم إلينا، حتى ألمانيا المقيدة عسكريا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تريد أن تساعد عسكريا حلفاءها الغربيين فى المنطقة، الخريطة لم تعد كما كانت والتحالفات تتغير بين يوم وليلة والتشابكات والتعقيدات تحتاج إلى دراسات وكتب، فأنت مع وضد فى نفس الوقت ولكن فى بقعتين جغرافيتين مختلفتين أو فى موقفين سياسيين وما تملكه من أوراق تضاءل عن الماضى بسبب تغيرات دولية وأخرى تتعلق بكينونة الدولة المصرية وقوتها الاقتصادية والتهديدات المحيطة «دولة منهكة لا ترى مستقبلها حتى اللحظة». ملاحظات قد تكون تحذيرات أو قراءة قد تصح أو تخطئ، لكنها مجرد اجتهاد ينبع من خشية على مصير حضورنا فى الإقليم، بل ووجودنا ومستقبل الأجيال المقبلة:

■ بدت مصر أكثر ميلا لتقديم تنازلات لروسيا بعد حادث الطائرة الروسية بشكل بُولغ فيه وسيضر بالقطع مصالح مصر على المدى البعيد، فاتفاقية الضبعة ومن بعدها زيارة وزير الدفاع الروسى، وإشارات روسية بالتعاون العسكرى لضرب «داعش» وقطعة بحرية روسية فى ميناء السويس ومغازلات ببيانات التضامن والعزاء لإسقاط تركيا الطائرة الروسية فى سوريا، وانتهاء بحديث يتردد عن حضور عسكرى روسى ما سواء قبالة سواحلنا على البحر المتوسط أو مثله على اليابسة المصرية.

■ القراءة لتاريخ الروس مع المنطقة تعلم تماماً أن هناك أولويات لروسيا: 1- الخروج إلى براح المياه الدافئة فى البحر المتوسط، فى ظل علاقة ملتبسة تاريخية مع الأتراك حول المضايق التركية على البحر الأسود، وقدرية البحار والأنهار المجمدة طول شتائها الطويل. 2- العلاقة مع إيران بحكم الجوار والكثير من الأوراق التى ترجح طهران دائما حتى إن تنازلت القاهرة.

■ تدير مصر علاقاتها مع الولايات المتحدة فى إطار باهت يعتمد على رد الفعل وتفاعلات اللحظة دون سيناريوهات مستقبلية للتعامل مع حركة القوة الأعظم على خريطة الشرق الأوسط، فميدان المناورة لنا أصبح محدودا للغاية، بل صار ضيقا حتى إن ارتمينا فى الأحضان الروسية.

■ مصر لم تضع حتى الآن فى تصوراتها- كما يبدو من تحركاتها الدولية- أن العالم سيأتى إلى المنطقة بحثا عن مصالحه فى منطقة المعابر الدولية من الخليج العربى حتى خليج عدن وباب المندب، مرورا بقناة السويس وصولا إلى الشمال، حيث مضايق البحر الأسود.

■ مصر تتمتع بعلاقات جيدة مع الفرنسيين على خلفية التسليح والمصالح التى تشكلت بعد «يونيو» بمعاونة الرياض لكن باريس عودتنا دوما كما تقول كتب التاريخ أنها العاصمة المترددة مما يجعلها حليفا غير مأمون.

■ اتباع سياسة «أولاد البلد» فيما يخص السياسة الخارجية لا يصلح فى عالم تحكمه المصالح والاستراتيجيات ولا يبقى فيه سوى القوى، وهو ما بدا فى إدارة ملف المياه بحسن النوايا وقدمنا تنازلات ووصفنا الإثيوبيين بالأشقاء- رغم كذب المقولة- وبات مستقبلنا المائى على المحك.

■ التحركات على الساحة الليبية تبدو كأنها الورقة الوحيدة الرابحة فى جعبة صانع السياسة الخارجية المصرية، فى ظل اللعب على مسألة التناقضات والوقوف إلى جوار جناح ترغب فيه بعض القوى الدولية، وما ينبغى التركيز عليه هو تجنب الإزاحة من قوى إقليمية وأطراف أخرى فى الشمال الأفريقى لديها صوت مسموع ويد طولى فى هذا الملف، فالثمن الذى ندفعه سيكون كبيرا، فهنا سنخسر الحد الغربى ومعه أمل معقود فى المستقبل.

■ السير على قضبان واحدة فى العلاقة مع دول الخليج مسألة محفوفة بالمخاطر، فهذه إدارة يلزمها هامش للمناورة حتى وإن كنا نحترم الأشقاء، فالأشقاء أنفسهم يديرون علاقاتهم مع الجميع فى المنطقة، بمن فيهم الأعداء من بوابة المصلحة، فهنا لا ينبغى أن نكون ملكيين أكثر من الملك فيما يخص العلاقة مع إيران وإن كنت أعلم أن هناك أبواباً مفتوحة، لكنها ليست بالصورة التى تتناسب مع قوة إقليمية يتعامل معها العالم أجمعه، بل يهرول إليها أملا فى المصالح، وتلعب دوراً خطيراً على خارطة الإقليم.

■ الحضور المصرى فى المشهد السورى بمنطق التأثير وليس بمنطق «حامل الفأس» وهنا أقصد من الأخيرة ما يتردد عن التدخل البرى وإشارات جون كيرى السابقة عن مشاركة دول المنطقة فى القضاء على «داعش» هناك، ومن باب الأزمة «التركية- الروسية» يمكن أن نتداخل ونؤثر، فالتناقضات التاريخية بين موسكو وأنقرة لا تنتهى وفق الجغرافيا والتاريخ، فدوما كان الأتراك رأس حربة الغرب ضد الروس.

■ قناة السويس فى قلب مخططات السياسة العالمية والحضور بالقرب من إسرائيل، فى إطار جيوبوليتيكى واحد يجعلنا دائما على أطراف أصابعنا لحماية أمننا القومى وأولها حدودنا الشرقية.

■ دائما وأبداً كانت المياه الشاغل الأول للمنطقة، فحتى القدماء المصريون انشغلوا بذلك لحماية موردهم المائى، فأنشأوا الخزانات والسدود واستخدموا رى الحياض، وهذا الملف من الواجب أن تعطى له الأولوية، لأننا نتحدث عن مصير دولتنا وحقوق الأجيال المقبلة وحقهم فى الحياة.

■ اشتدت لعبة الصراع فى المنطقة، لأننا حتى لا ننسى نتحدث عن الإقليم الذى يقع على منتصف حدود القوى العسكرية السوفيتية والأمريكية- حسب كتاب الأصول العامة للجغرافيا السياسية للدكتور محمد رياض- ويهدد أمن كل منهما فى تمام منتصف أنظمتهما الدفاعية والاقتصادية معا، فالشرق الأوسط مجاور مكانيا للمراكز الاقتصادية السوفيتية فى القوقاز والفولجا والأورال وشمال وسط آسيا، وفى الوقت نفسه فإن الشرق الأوسط هو قلب الفائض البترولى، والمحرك الأول للآلة الاقتصادية الغربية بصفة عامة.

• فى إطار تلك التحديات لن تقوى مصر إلا بشبابها وجبهتها الداخلية وليس بشتاميها وراقصيها الفضائيين، مصر تقوى بالقانون والعدل والحرية والمساواة وليس بالتخويف والتضييق والكبت.

.. وختاماً نريد رشداً، فالتحولات مخيفة وتلزمها سياسة واضحة تستند إلى مصالحنا دون النظر إلى عداوات أو صداقات، فالعداوات ليست دائمة والصداقات أيضا، هذه هى السياسة.. فأرجوكم أعيدوا النظر فيما نفعل، فالخسائر قادمة إن لم نحسن الأفعال!