«وطني حبيبي.. الوطن الأكبــــر يوم ورا يوم أمجاده بتكبــــــر
وانتصاراته ماليه حياتـــــــه وطني بيكبر وبيتحـــــــرر»
كلما استمعت لهذه الأغنية الجماعية احتلنى حزن عميق، تذكرتها وأنا افكر في خريطة الوطن العربي وماحدث من تفكك في بلدانه، ماذا بقى لنا من حلم الوطن الأكبر بعد ما يقرب من نصف قرن من الزمان، حلم الوطن الواحد من الخليج للمحيط، يذوب مثل شمعة كاد أن ينطفئ نورها، الحديث عن الأمجاد والطموحات أصبح مثل الحديث عن طائر العنقاء الأسطوري، الحفاظ على الوجود يسبق الآن الحفاظ على الهوية في أوطان مستباحة السماء والأرض، تتعرض للانتهاك.
«وطني يا زاحف لانتصاراتــــك ياللي حياة المجد حياتـــــــك
في فلسطين وجنوبنا الثائــــرحنكملك حرياتــــــــــك
احنا وطن يحمي ولا يهـــــدد احنا وطن بيصون مايبـــــدد
وطني حبيبي..»
أين ضاع هذا الحب؟ أين ذهبت هذه الكرامة والعزة؟؟ واليقين بأننا وطن يدافع ولايهاجم، يصون ولايخرب، وطن الأمن والوفاء والإخلاص.
العربى الآن لا يأمن أخيه بل يتقيه ويعتبره مصدر الخوف والقلق، بدلا من أن يصبح عدونا المشترك إسرائيل، تحولت خناجرنا إلى أعناقنا نذبح بعضنا البعض بدم بارد وبحماس زائد.. وتعيش إسرائيل بيننا في آمان بعدما أصبحت فلسطين قضية عفى عليها الزمان.
«حلو يا مجد يا مالي قلوبنـــــا حلو يا نصر يا كاسي رايتنـــــا
حلوة يا وحدة يا جامعة شعوبنـــا حلو يا أحلى نغم في حــياتنــــا
يا نغم ساري بين المحيطيـــــن بين مراكش والبحريـــــــن
في اليمن ودمشق وجـــــدة نفس الغنوة لأجمل وحــــــدة
وحدة كل الشعب العربــــــي»
«النصر» كلمة لم نعد نسمعها، مر 42 سنة على آخر انتصار عربى، لم تكن حرب أكتوبر آخر الحروب كما صرح السادات، ولكنها كانت آخر الانتصارات، الحرب اتسعت والجميع خاسر، تتوالى الهزائم والانكسارات، «فى اليمن ودمشق وجدة نفس الغنوة لأجمل وحدة» هل يمكن أن تردد هذه العبارة الآن دون أن تشعر بالمرارة وتبتسم بأسي، جدة التي تقود حربا على دمشق واليمن، توقفت العواصم الثلاث عن الغناء وأفسحوا الطريق أمام نواح طويل وخراب مقيم، تراجع الصراع العربي الإسرائيلي ليصبح في خلفية المشهد، وتقدم الصراع العربي العربي، ترتفع الرايات المذهبية والطائفية في حروب الحماقة العربية الكبرى.
الجامعة العربية التي كانت تقود الوطن العربي بقرارات جماعية موحدة إزاء التحديات التي تواجه البلاد العربية، تحولت لمدفن جماعى لحلم الوحدة العربية.
«قوميتنا اللي بنحميهـــــــا اللي حياتنا شموع حواليهــــا»
القومية العربية ،أصبح تعبير قبيح سىء السمعة، كما أنه لم يعد ملائما لعصر الثراء النفطى ومجتمع المول، استبدلناه بمصطلح «العولمة» ،أسياد العولمة والعالم نصحونا حتى نصبح متعولمين مثلهم أن نتنازل عن هويتتنا ونرتدى الهوية العالمية الجديدة ،وسهلوا علينا الأمر: ستأتيكم جاهزة مع الملابس والموبايل وسندوتش الهمبورجر وزجاجة الكوكاكولا، لغتكم الجميلة لم تعد على الموضة ،الانجليزية ازاحتها واحتلت مكانها في التعليم والتوظيف ...وكل مناحى الحياة.
الدول العربية التي استشهد ابناءها للحصول على استقلالهم وحريتهم ،تنازلوا عن كل ماحصلوا عليه بالدم للمستعمر القديم الجديد. الشعوب العربية انتقلت من استبداد المستعمر وجشعه لديكتاتورية الحكام المخلدين ...الحكام العرب تفوقوا بجدارةعلى المستعمر في الاستبداد والفساد.
«وطني يا جنه الناس حاسدينهـــا على أمجادها وعلى مفاتنهـــــا
ياللي علاك في قلوبنا عبـــــاده يا وطن كل حياته سيــــــادة
وطن العزه الوطن العربــــــي
وطني حبيبي ...»
لم نعد في حال يحسد نا عليه أحد، نحن متهمون بالإرهاب والفساد والتخلف وعدم احترام حقوق الإنسان، أبناء الوطن العربي يتمنون أن يهجروا الجنة التي تغنى بها الشعراء والمطربين العرب.. لم يعدوا يشعروا به بعزة ويفتقدوا فيه للكرامة.
لم يعد الوطن العربى حلما ولم يعد حقيقة.. لكنه سيظل واقع يفرض نفسه وينتظر المستقبل الذي تستيقظ فيه الشعوب العربية من غيبوبتها.
ektebly@hotmail.com