المضربون عن الطعام

عبد المنعم سعيد السبت 28-11-2015 21:05

؟؟؟ ماذا يحدث للشخص الذى يضرب عن الطعام لنقل لمدة ٥٠ يوما؟ ما الذى يحدث لأعضائه كلها من العقل إلى القلب إلى رؤية العيون إلى حالة الكبد والمفاصل والقدرة على الحركة؟ كيف تبدو له الدنيا، باختصار كيف يفكر، وإلى أى حد يصل الاضطراب إلى القدرة على التفكير؟ الأطباء وحدهم يستطيعون الإجابة على هذه الأسئلة، ولكن الحالة ذاتها يمكن أن ترد على الدول والمجتمعات، ومن ثم فإن من لهم علم فى السياسة والاجتماع يمكنهم أن يجدوا مقتربا من ظاهرة الحرمان من الطعام ليس بالمعنى الحرفى للكلمة، وإنما بمعنى مجازى. فمع تصور أن دولة مثل مصر توقفت عن النمو تقريبا على مدى ثلاث سنوات ونصف من الثورة والفورة والتقلبات المختلفة، ولكنها بدأت تتحرك خلال العام الأخير، فلابد أن كثيرا من أعضائها تيبست، وقدرتها على «البلع» تناقصت، وكفاءتها فى الحركة تراجعت. فعندما يتوقف الاستثمار فى البنية الأساسية، ويصبح معدل النمو أقل من معدل النمو السكانى، وتعود كثافة الفصول الدراسية إلى الارتفاع بعد انخفاض، والفترات الدراسية فى اليوم الواحد إلى التزايد، وتمشى الفئران والقطط فى المستشفيات لأنه لا توجد موارد للتعامل معها، وتظل مصانع ومؤسسات قومية خاسرة تحصل على أرباح وحوافز من أموال دافعى الضرائب، وزد على ذلك ما شئت، فإن الحال لا يكون بعيدا عن حال المضربين عن الطعام.

فى هذه الحالة لا تستطيع الدولة والمجتمع أن يتحركا ويستجيبا لدعوات النهضة ما لم يكن هناك معرفة بما جرى، وعلما بما تفرضه الحالة من قيود، وأهداف محددة وواضحة يمكن تحقيقها وإنجازها خلال فترة محددة. الشفافية الكاملة هنا مطلوبة، التلاعب بالحقائق غير مفيد بالمرة بل على الأرجح يقود إلى نكسة تقود إلى القعود عن الذهاب إلى التصويت فى الانتخابات النيابية. يتسع حزب الكنبة الشهير الذى اتخذ قرارا بالانتظار منذ ٢٥ يناير ٢٠١١، وحتى بعد أن انتفض فى ٣٠ يونيو (وتوابعها فى ٣ يوليو و٢٦ يوليو ٢٠١٣) فإنه عاود الانتظار مرة أخرى. وبينما أكد استعداده للمشاركة والخروج من حالة الإضراب إلى الاستثمار فى مشروع قناة السويس الجديدة إلا أنه سرعان لم يفهم لماذا قيل له بعد الحدث الكبير أن ما تم إنفاقه لا يزيد على ٢٠ مليار جنيه، وفى قول آخر ٣٠ مليارا، وأن ما تبقى سوف ينفق على مشروع قناة السويس الكبير؟ فما هو كنه هذا المشروع، وما هو جدوله الزمنى، وهل ستطرح استثماراته بنفس الطريقة، ولماذا تصر هيئة قناة السويس بصورة دورية على ذكر عدد السفن التى تمر من القناة وإجمالى حمولتها دون ذكر التكلفة والفائض بنفس الدرجة من الدقة، وهل سيضم إلى رأس المال أم أنه سوف يوظف فى مشروعات أخرى؟.

الشفافية ليست مطلوبة فقط من الدولة والحكم، وإنما أيضا من بقية أطراف المجتمع المشاركة بشكل أو بآخر فيما يحدث بمصر. ماذا يفعل ذلك الذى تيبست مفاصله مع الإعلام الذى يتحدث على طريقة المعلقين على المعارك الحربية، منذرا بأن المال السياسى قد سيطر على الانتخابات العامة. لن تعلم فى مسار عرض «الحقائق» إلا أن هناك بعضا من الأدلة لتصوير جريمة منح الأموال التى قيل إنها تصاعدت حتى وصلت إلى ٧٠٠ جنيه للصوت الواحد. المنطق هنا يقول إننا مجتمع فقير، ولما كانت الأحوال الاقتصادية كلها ليست على ما يرام، فإن المعادلة تصير أن المال السياسى «سيطر» على الانتخابات. الأرقام الرسمية تقول إن نسبة الفقر فى مصر حوالى ٢٦٪ من السكان، وفى العادة فإن المعلقين يرفعونها إلى ٤٠٪ اعتمادا على «البنك الدولى» (ملاحظة: لا يوجد لدى البنك ما يؤيد هذه المقولة إلا بإدراج هؤلاء الذين هم أعلى من حد الفقر بقليل). ومع ذلك فإن السؤال هو ماذا عن ٦٠٪ باقين بعيدا عن حد الفقر، وهل لا نعرف نسبة من الفقراء ترفض الرشوة الانتخابية بإباء وشمم. ولكن الرصاصة فى كل الأحوال أصابت فى مقتل فى مجتمع مرت عليه أنواع كثيرة من الإثارة على مدى السنوات القليلة الماضية.

ما نحتاجه جميعاـ الحكم والشعب ـ أن نأخذ نفسا عميقا، ونحاول معا تخفيض حدة السخونة فى الدولة، ونتعامل مع مصر بقدر من التواضع، ونشرح لها الحالة، ونقدم لها المعلومات حول التحديات والقدرات، ونطلب منها ما تستطيع القيام به. حجر الزاوية فيما نفعله هو الثقة فى الطبيب، والأطباء، الذين يريدون لها أن تخرج من حالة الإضراب، لكى تخوض سباق الألف ميل الذى قيل إنه يبدأ بخطوة واحدة. الآن تمت ثلاث خطوات: الدستور، والانتخابات الرئاسية، والأخرى البرلمانية. جرى كل ذلك وهناك معركة مع الإرهاب، وأخرى مع دول تريد أن تستفيد من حالة الوهن التى جرت، ولكن أصعب ما نواجهه ألا يفهم الناس ماذا وضع لهم الأطباء من خطة للعلاج؟!.