بدونها.. لا دولة!

سليمان جودة السبت 28-11-2015 21:06

تتحدث دنيا المال والأعمال فى العالم عن صفقة ربما تكون هى الأكبر من نوعها بين الشركات، وقد بدأت الصفقة عندما قررت شركة فايزر من مقرها فى نيويورك شراء شركة أليرجان ومقرها أيرلندا.. أما قيمة الشراء فهى 160 مليار دولار.. وبتعبير آخر: 60 ألف مليون دولار! وبتعبير ثالث: رقم 16 وأمامه عشرة أصفار!

ومع ذلك فلا الرقم هو المهم، ولا قيمة الصفقة هى الأهم، ولا اسم هذه الشركة أو تلك هو الأشد أهمية، ولا شىء من ذلك أبدا بالنسبة لنا، لأن ما هو أجدى بأن يلفت نظرنا فى الصفقة كلها هو سببها.. أى أن علينا أن نسأل: لماذا جرى ما جرى بين الشركتين؟!

السبب هو أن الشركة الأولى تدفع 25% ضرائب سنويا فى الولايات المتحدة، وبصفقة كهذه سوف تنخفض ضرائبها 5% تقريبا.. هذا كل ما فى الموضوع!

فما المعنى؟!.. المعنى أنك أمام شركة تدفع مبلغا محددا فى كل سنة للخزانة العامة الأمريكية، وهو مبلغ يختلف بالطبع حسب حجم أرباحها، ولكن النسبة المدفوعة من إجمالى الأرباح لا يمكن أن تنقص بأى درجة، ولا مجال للكلام حولها، لأن الضرائب هى المورد الأول للدولة وبدونها لا دولة.. بدون الضرائب التى لا هزار فيها لا تكون هناك دولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها أمام كل مواطن من مواطنيها!

ولم يكن أمام الإدارة الأمريكية أن تفعل شيئا لمنع الصفقة غير أن هذا لم يمنع أن يعلق الرئيس أوباما شخصيا على عملية الشراء والبيع بين الشركتين ويصفها بأنها عملية غير وطنية.. هذا كل ما استطاعه الرئيس، لأن القانون يسمح بما حدث ولا يمنعه!... والقانون هناك فوق الرئيس!

تصورت المسألة من ناحيتى وتساءلت: ماذا لو أن شركة مماثلة مقرها القاهرة وتدفع ضرائب ترى أنها مرهقة بالنسبة لها.. ماذا ستفعل؟!

هل تشترى شركة أخرى تستحوذ عليها لتنخفض نسبة ضرائبها، أم تتحايل على الأجهزة المختصة عندنا وتتهرب ولا تدفع ما هو مطلوب منها، فتظل فى مقرها.. ويا دار ما دخلك شر؟!

عندما أعلن الوزير هانى قدرى ميزانية العام الجديد، قبل أسابيع، كانت الفجوة بين مواردنا ومصروفاتنا فيها مخيفة، ويومها ظللت أفتش فى بنود الميزانية، فكان واضحا أن بند الضرائب، كمصدر، دخل يعانى هزالاً لا تخطئه أى عين!

وعندما أنشأ الرئيس صندوق «تحيا مصر» وطلب فيه 100 مليار جنيه، تبرعاً من رجال الأعمال، كان تقديرى- ولايزال- أن الصندوق ليس حلا ولن يكون، لأنك ليس من حقك أن ترغم أحدا على أن يتبرع بجنيه، حتى ولو كنت أنت رئيس الجمهورية.. ولكنك تستطيع أن ترغمه على أن يدفع ضرائبه، بأن تضع نظاما ضرائبيا محكما لا يفلت منه قرش صاغ واحد، فلا تكون فى حاجة إلى «تحيا مصر» ولا غير تحيا مصر.. ولأن أحدا لم يفكر بهذه الطريقة، ولا يريد، فإن أقصى ما ذهب إلى الصندوق لم يتجاوز سبعة مليارات، ثم بقيت الضرائب على حالها، وبقيت الدولة عاجزة عن تقديم خدمات عامة آدمية لمواطنيها!