وطنية الكنيسة المصرية وهوية الوطن والفانتازيا الإعلامية

اخبار السبت 28-11-2015 21:06

القمص بولس حليم ـ يكتب:

أثبتت الكنيسة المصرية القبطية عبر التاريخ وطنيتها بشكل يعلمه ويشهد به العالم كله بمواقفها الفاعلة والمؤثرة. إنها درة تاج الوطنية، فهى كنيسة كل المصريين، بل لا أزايد حين أقول إنها كنيسة العرب أيضا.

وباباوات الكنيسة ضربوا دوماً المثل فى الولاء للوطن سواء برفض الحماية الأجنبية مثل البابا بطرس الجاولى أو مدرسة حب الوطن التى رسخ دعائمها البابا شنودة الثالث، أو إعلاء مصلحة الوطن مثل البابا تواضروس الثانى، ففى الوقت الذى كانت ارتعشت فيه الأيدى وساد الخوف، امتلكت الكنيسة شجاعة القرار ممثلة فى قداسة البابا بمشاركته دون تردد فى خارطة الطريق فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر، وهو يعلم أنه سيدفع ثمنا غاليا إزاء هذا الموقف، وحتى بعد تدمير أكثر من 65 كنيسة أخذ قداسة البابا قرارا أكثر شجاعة بإعلاء مصلحة الوطن.

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقرأ توجهات وتحركات وتصرفات الكنيسة القبطية، ونأخذ هنا على سبيل المثال الذهاب إلى القدس، لماذا ذهب قداسة البابا تواضروس الثانى إلى القدس؟ والإجابة على كل التساؤلات والاستفسارات المثارة على الساحة الإعلامية الآن حتى توضع الأمور فى نصابها الصحيح بدلا من الفانتازيا الإعلامية الحادثة حاليا دون ضابط أو رابط:

1- هل موقف الكنيسة من زيارة القدس حدث به تغيير؟

- موقف الكنيسة من زيارة القدس ثابت ولم ولن يتغير، فلا زيارة للقدس إلا مع جموع المصريين يدا بيد، وهذا واضح جليا من أول لحظة اتخاذ القرار سواء عن طريق قداسة البابا نفسه أو المتحدث الرسمى. ولو كان قداسة البابا يريد إعادة النظر فى القرار فما هو الذى يمنعه من عقد مجمع مقدس، وطرح الموضوع واتخاذ قرار بشأن ذلك؟!.. لكن الأمر واضح وقاطع وحاسم، وهو لا تغيير فى موقف الكنيسة بزيارة القدس لأن سفر قداسة البابا مقصور على صلاة الجناز فقط.

والجدير بالذكر أن قداسته مقيم بمقر الكرسى الأورشليمى ببطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس الشرقية، ولم يذهب لأى زيارات دينية أو سياسية.

2- لماذا يرأس قداسة البابا بنفسه صلاة الجناز؟

- مطران الكرسى الأورشليمى له مكانة خاصة فى المجمع المقدس للكنيسة القبطية وهو الرجل الثانى بعد قداسة البابا، وكان المفترض أن يأتى الجثمان إلى مصر ويصلى عليه قداسة البابا، ولكن وصية الأنبا أبراهام بأن يدفن فى القدس حالت دون ذلك، ولولا الوصية ما كان هناك داع لسفر قداسة البابا، وصلاة الجناز من صميم العمل الرعوى، ووفقا لتقاليد الكنيسة يجب على البابا أن يقوم بهذا العمل ويحسب مقصرا أمام شعبه إذا لم يقم به. يذكر هنا أن الأنبا أبراهام هو من أسس العديد من الكنائس فى الدول العربية، حيث كان يخدم نحو 10 دول عربية وله مكانته وسط الشعب الفلسطينى والعالم العربى وقادته، وكذلك الطوائف المسيحية هناك.

3- لماذا لم تحسب الكنيسة النتائج السياسية لهذه الزيارة؟

- الكنيسة لا تضع فى حسبانها أى معادلات سياسية فكل خطواتها رعوية ووطنية فقط، ولذلك زيارة القدس لا تدخل فيها أى حسابات سياسية، وينبغى ألا تفسر على هذا النهج على الإطلاق وهنا يجب أن نذكر أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» قد أجرى اتصالا هاتفيا بقداسة البابا فور وصوله إلى القدس، وأعرب عن ترحابه الشديد وسعادته بوجود قداسته بالأراضى المقدسة مقدما تعازيه والشعب الفلسطينى لقداسة البابا فى رحيل نيافة الأنبا أبراهام.

كما وجه أبومازن الدعوة لقداسة البابا لزيارة رام الله، فيما اعتذر قداسته عن عدم تلبية الدعوة، مؤكدا أنه لن يدخل رام الله أو القدس لزيارة الأماكن المقدسة إلا فى صحبة شيخ الأزهر.

هذا وقد أبلغ الرئيس الفلسطينى قداسة البابا باعتذاره عن عدم استطاعته المشاركة فى تشييع جنازة المطران الراحل نظرا لسفره إلى فرنسا لحضور مؤتمر قمة المناخ، مشيرا إلى أنه سيوفد الدكتور صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على رأس وفد رفيع المستوى. كما قرر الرئيس الفلسطينى أن تتحمل الرئاسة الفلسطينية تكلفة غداء الرحمة الذى سيقام عقب الجنازة (وهو غداء جرى العرف أن يقام فى المناسبات الاجتماعية فى الأراضى المقدسة).

وهنا نؤكد أن قداسة البابا لم يلتق أى مسؤول سواء من الجانب الإسرائيلى أو الفلسطينى فلا مجال هنا للمزايدة والتكهنات بترويج فكرة التطبيع. منهج الكنيسة واضح وهو ألا ندين السياسة أو نسيس الدين، فلا داعى لقراءة الموقف على نحو سياسى.

4- هل دخل البابا بتأشيرة إسرائيلية؟

- تم التنسيق مع السلطة الفلسطينية للدخول من دون تأشيرة إسرائيلية.

5 - لماذا لم يأخذ البابا طريق الأردن؟

- لأن هذا الأمر يخضع للترتيبات الأمنية والتى لا دخل لقداسته فيها، ولأن الزيارة كانت مفاجئة للجميع فسارت على هذا النحو.

6- أليس من الممكن أن يجعل هذا الموقف المسيحيين يكسرون الموقف الكنسى؟

- الشعب القبطى واع بتقاليد الكنيسة وقوانينها، ويعلم أن رئاسة قداسة البابا للجناز واجب رعوى يجب أن يقوم به.

- وأن هذا لا يعنى السماح له بالزيارة، فلا مجال للتشكيك فى أن الشعب سينتهز بذلك الفرصة لزيارة القدس.

7- هل للبابا أنشطة رعوية أخرى غير صلاة الجناز؟

- يسند أولاده وشعبه فى محنتهم ويفتقدهم ويعيش ظروفهم ويدبر احتياجاتهم الرعوية خصوصا فى موضوع اختيار مطران للقدس وهو أمر فى غاية الأهمية وذلك لمكانة لكرسى الأورشليمى سواء لمصر أو الشرق الأوسط وللحفاظ على كيان كنيستنا القبطية بالقدس، وكذلك متانة ارتباطها بمصر على اعتبار أنها جزء من الوطن، والمحافظة على مكانة ووضع الكرسى الأورشليمى وسط الكنائس بالقدس.

وأخيرا لابد من فحص الأمور بدقة قبل إبداء الرأى وتحميل الأمور بما ليس فيها والبعد عن الفانتازيا الإعلامية.

واثقون فى وعى المصريين، وأنهم سيميزون بين من يقوم بالمزايدة على موقف الكنيسة المصرية الوطنية والأمناء، فوطنيتها أمر لا يستطيع أحد أن يزايد عليه.

* المتحدث باسم الكنيسة