أنا و«إسلام أون لاين»

أيمن الجندي السبت 28-11-2015 21:06

هذه قصتى مع الموقع الشهير «إسلام أون لاين». كنت تقريبا فى عام ٢٠٠٥ حين صارت أغلى أمنياتى أن أنشر فيه. ولم تكن تلك الأمنية بالأمر الهين. فى هذا الوقت كان لهذا الموقع زخم وثقل وأهمية يصعب أن يتصوره من لم يعاصر تلك الفترة. ولا أبالغ لو قلت إن إنتاجه كان أغزر وأهم من إنتاج جامعة كاملة. قد يبدو هذا الكلام عجيبا ولكنه الحقيقة. كوكبة من الباحثين الشبان الذين توهجت موهبتهم وانفجرت طاقاتهم. وكان التمويل فيما أعلم قطريا (وإن كنت لم أتقاض جنيها واحدا)، وتحت الرعاية الروحية للشيخ القرضاوى. ولم يكن ذلك يمثل مشكلة فى هذا الوقت، إذ لم تكن قد حدثت تلك التجاذبات السياسية التى سمّمت العلاقات الآن.

كنت أتأمل أقسام الموقع فأجدنى كتاباتى تناسب معظمها. فهناك قسم الأدب والثقافة. وهناك قسم حواء وآدم. وهناك الفكر المستنير. وهناك الرقائق والتزكية. لكن المشكلة أننى مقطوع الصلة بالمجتمع الثقافى،

مجرد طبيب يهوى الأدب ويحيا فى طنطا.

وهكذا جازفت فأرسلت لجميع الأقسام تقريبا مقالا قدّرت أنه يناسب طبيعته، ومرت الأيام ونسيت الأمر برمته، وإن كنت لم أتوقف يوما عن مطالعة الموقع.

■ ■ ■

ما زلت أذكر هذه الظهيرة الباسمة فى مصيف «مراقيا». حين رن جرس هاتفى برقم لا أعرفه. وكانت المفاجأة أن رئيسة قسم حواء وآدم الأستاذة «كوثر الخولى» هى المتحدثة. وراحت تزجى لى الثناء على المقال الذى وعدتْ بنشره.

كانت فرحتى يخالطها إحساس بعدم التصديق! لم يكن أحد يعرفنى فى هذا الوقت، وكان موقع إسلام أون لاين موقعا رصينا ذائع الانتشار فى جميع البلدان الإسلامية. لم أصدق وقتها أن الأمور تتم بهذه الوسيلة، وأنه يكفى أن أكتب نصا جيدا فيُنشر! هكذا ببساطة.

وقبضتُ بكل ما أوتيت من عزم على فرصتى. كانت أياما سماوية تحمل عذوبة البدايات. وأفسحوا لى مساحة لا أظنها أُتيحت لغيرى. هكذا دون واسطة أو مصالح أو علاقات. ما أطيب الحياة حين تمنح الجميع فرصا متساوية! صرت الوحيد الذى ينشر بانتظام يومى الأحد والأربعاء. وكان النشر مُدققا ويصاحبه إخراج فنى! فى هذا الوقت كتبت أجمل مقالاتى. لقد انهار السد الذى اختزنت خلفه عمرا كاملا من القراءة والكتابة والأحلام والتأمل. ومن قسم «حواء وآدم» نفذت إلى بقية الأقسام فنشرت فيها جميعا. وذهبت مرة أو مرتين إلى المقر الرئيسى بالقاهرة وكان الاستقبال دافئا، وإن أدهشنى أنه مجرد طابقين فى بناية! لم أصدق وقتها أن هذا المكان الضيق يخرج منه إلى العالم ما تعجز الجامعات أن تبدعه.

■ ■ ■

ولعلك تتساءل الآن -عزيزى القارئ- عما حدث بعدها! هل استمر الشغف ولم ينطفئ الوهج؟ فى اعتقادى أن هذا السؤال مفيد إنسانيا. لأن كل منا ينطوى على أمنية يظن أن سعادته فيها، وأنه سيلمس السماء البعيدة وستشتعل أصابعه بالنجوم لو استطاع تحقيقها! لكن الذى حدث أننى توقفت عن النشر بعد ثلاثة أعوام من تلقاء نفسى. ربما يبدو هذا محزنا، والحقيقة أنه محزن فعلا. أقصد أن تبهت الألوان ويختنق الفرح.

ربما كان السبب هو إحساسى بأننى استنفذت أغراضى من النشر الإلكترونى، ولم يعد لديه المزيد ليمنحه لى. وقد حان الوقت لأيمم وجهى صوب الصحف الورقية.

وهكذا الإنسان وهذا هو ملخص حياته. أمنيات نحققها ونفرح بها فى وقتها. ثم ينتابنا الفتور ويبدأ الإنسان رحلة البحث عن أمانٍ أخرى.

elguindy62@hotmail.com