يبدو أن تضخم «الأنا» التي يعيش في أوهامها الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، سلطان الخلافة الزائفة، والتى منى نفسه بها كثيرًا، ستجر عليه كوابيس ليلية لا نهائية، بدا التخبط والارتباك واضحًا على تصريحات أردوغان، فمرة تأخذه الجلالة والعنترية ويؤكد أن من يجب الاعتذار له هو روسيا وليس العكس، ومرة أخرى يقول إنه لم يكن يعرف أن الطائرة التي تم إسقاطها روسية، وثالثة يعلن أن الرئيس بوتين لا يرد على اتصالاته!! فبعد عملية إسقاط الطائرة الروسية «سوخوى 24»، قاذفة القنابل، في الأراضى السورية ومقتل أحد طياريها، بدأت ملامح الرد الروسى على «طعنة الظهر» التركية، كما وصفها الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين تتبلور، رغم أن حجم المصالح بين البلدين لا يمكن تجاهله، فحجم التبادل التجارى يصل إلى نحو 40 بليون دولار سنويا، كما أن تركيا شريك أساسى لروسيا في مجال إمدادات الغاز الطبيعى، غير أن إسقاط الطائرة بالنسبة للدب الروسى أكبر من أن يمر دون رد، مهما بلغ حجم تلك المصالح، وهذا ما أكدته تصريحات بوتين ورئيس وزرائه، ديمترى ميدفيديف، بتلقى العلاقات الثنائية بينهما ضربة قوية، فما حدث جريمة لا يمكن أن تمر دون عقاب.
الفهم الروسى للضربة التركية حمل عنوانين: الأول محاولة تكريس منطقة نفوذ تركيا شمال غربى سوريا، حيث تقطن أقلية تركمانية، والثانى استكمال وضع مشروع المنطقة الآمنة على مسار التنفيذ، ما يعنى أن حادث الطائرة الروسية كان من بين أهدافه «إنهاء العمل باتفاق التنسيق فوق الأراضى السورية طالما أن موسكو لا تحترم مناطق نفوذ الآخرين، وهذا ما يفسر تأكيد الوزير سيرجى لافروف من أن استهداف الطائرة كان عملا استفزازيا مدبرا، وليس ناجما من خطأ» .
لم يكن تلويح بوتين بأن تركيا متورطة في مساعدة داعش بشراء النفط منه مجرد تخمين، فقد كشفت تداعيات الأحداث عن تورط ابن الرئيس التركى، بلال أردوغان في عقد صفقات شراء بترول داعش الذي لا يستطيع تسويقه بشكل مباشر، وجاءت تغريدة نائب رئيس مجلس الشيوخ الإيطالى «روبرتو كارديرولى» لتؤكد تورط تركيا حين قال: «أسقطت تركيا بأمر من أردوغان الطائرة الروسية التي تشارك في محاربة الدولة الإسلامية في سوريا، لقد دخلت تركيا اليوم الحرب رسميًا إلى جانب داعش»، أما بالنسبة لدول حلف الناتو التي تعتبر تركيا عضوًا فيه، فهى قلقة من طلب تركيا للمساعدة في حال الرد الروسى على فعلتها، خاصة أن ذلك من حقها، لكن الناتو ليس لديه أصدقاء في أنقرة لأن أردوغان ينتهج سياسة أسلمة الدولة؟!
تسارع الأحداث يشير إلى أن روسيا ليست في وارد محاصرة الأزمة، وهو ما بدا واضحًا من خلال اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة كقطع كل اتصالاتها العسكرية مع أنقرة، واستباقها لرد فعل «حلف الناتو» بالتشكيك في موضوعيته، ما يعنى أنها أغلقت الطريق أمام جهود وساطة من الحلف الأطلسى لتسوية الأزمة، وفى الحقيقة فإن تصريحات بعض المسؤولين الأتراك تشير إلى أن مهاجمة الطائرة الروسية ليس مرتبطًا فقط باختراقها الأجواء التركية، بل هو ناتج عن عدم رضا تركيا عن النجاح الذي تحققه غارات الطائرات الروسية.
ثلاثة سيناريوهات محتملة للرد الروسى على تركيا عكستها تصريحات برلمانيين بارزين، أولها تعزيز قدرات القوات الروسية العاملة في سوريا لمنع أي تراجع عن أهداف العمليات العسكرية، والثانى إغلاق المجال الجوى السورى أمام الطيران التركى، والثالث إفشال فكرة المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا على الحدود وإحلال بديل منها يقوم على إغلاق الحدود التركية السورية نهائيا، وربما لن ننتظر طويلًا حتى نتبين معالم الرد الروسى حيال الطعنة التركية؟.