عملت فى صحف عديدة، داخل مصر وخارجها، نعمت فى بعضها بحرية الكتابة والتعبير.. وعانيت فى أكثرها من التعليمات والممنوعات!!
فقد عملت فى الصحافة المستقلة، والصحافة المؤممة، والصحافة المملوكة لحكومات.. وأيضاً المملوكة لأحزاب.
فى مصر، عملت بصحف أخبار اليوم قبل التأميم.. ثم بعد أن أصبحت ملكاً للدولة يديرها الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى وإن لم أعمل بصحافة الحزب الوطنى.. ثم عملت فى صحف مملوكة لحكومات عربية، فى أبوظبى.. كما عملت فى صحيفة مملوكة للحزب الشيوعى الألمانى يرأس تحريرها سكرتير عام هذا الحزب فى مدينة درسدن الألمانية - هى تاج بلات - عندما كنت أدرس علم إدارة الصحف فى معهد الصحافة فى برلين عام 1971، وعملت فى صحف دار الصياد اللبنانية، عندما رشحنى على بك أمين للعمل مع بسام فريحة فى صحيفة الأنوار مع محمد جلال كشك، قبل أن ينتقل للعمل فى مجلة الحوادث اللبنانية، ثم مع الصحفى اللبنانى نيقولا صيقلى مساهماً فى تحرير صفحة «أخبار الخليج» بالأنوار.. أسبوعياً، وكنت أنفق كل أجرى فيها على الاستمتاع بالحياة فى بيروت أنا وأسرتى بعد أن أتسلم أجرى من دار الصياد بمنطقة الحازمية.
وعملت فى دار الهلال، مع أشهر توأم صحفى فى العالم، هما مصطفى وعلى أمين عندما أبعدهما عبدالناصر عن بيتهما دار أخبار اليوم.. ليقلل من تأثيرهما على الرأى العام من خلال الأخبار وأخبار اليوم الأكبر توزيعاً، إلى مجلات أسبوعية وشهرية أقل تأثيراً، فنجحا فى تحويلها إلى الأوسع انتشاراً بين المجلات فى المنطقة.. بل جعلا مجلات الأطفال «ميكى وسمير» يقرؤها الكل من سن 8 إلى سن 88 عاماً، وطوال عملى، لسنوات، فى دار الهلال عملت وتعرفت على إميل بك زيدان، حفيد المنشئ العظيم جورجى زيدان، ثم الباشا: فكرى أباظة، والعقاد، وطاهر الطناحى وأمينة السعيد وصبرى أبوالمجد ومرسى الشافعى.. ولم يتحمل عبدالناصر أفكار مصطفى وعلى أمين فأبعدهما وجاء بالمجموعة اليسارية والشيوعية لتستولى على صحف دار الهلال!!
ولكن لماذا - مثلاً - استمرت «الأهرام» ومجلات دار الهلال؟ لسبب بسيط هو أن اللبنانيين تعلموا من تجارب الصحفيين الشوام الذين عملوا فى مصر بداية من عصر الخديو إسماعيل، وعرفوا أن مناطحة السلطان تؤدى إلى إغلاق الصحف.. وما حدث مع صحف يعقوب صنوع خير دليل ونجحت الأهرام - منذ عام 1875 - فى البقاء بعيداً عن المصادرة والإغلاق.. وأيضاً نجحت دار الهلال باختيارها المجلات الاجتماعية والفنية أسلوباً للصحافة، ولذلك طال عمر الدارين.
ولقد عرفت مصر الرقابة على الصحف ثم زادت مع بداية الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، فكان أن صدر أول قانون للمطبوعات يقيد - بين ما يقيد - حرية إصدار الصحف.. وما تنشره.. وزادت حدة الرقابة خلال الحرب العالمية الأولى.. ثم الثانية.. وفى المقابل لم تهدأ الصحافة الوطنية وواصلت المقاومة.. وكان أبرزها «الأخبار» القديمة للرافعى.. و«الجهاد» للصحفى الكبير توفيق دياب، وروزاليوسف للسيدة فاطمة اليوسف ومحمد التابعى ثم آخر ساعة.. والمصرى «القديمة».
ولكن كل هذه الصحف - وغيرها - عانت من الرقابة وتكميم الأفواه.. وأتذكر هنا واقعتين للصراع بين الصحافة الحرة.. والسلطان.
ها هى جريدة المصرى القديمة تعانى من الرقابة التى كانت تمنع لتحمى السلطة والسلطان.. ولما حذف الرقيب عدة أخبار من الصفحة الأولى لم يجد رئيس تحريرها أحمد أبوالفتح إلا أن يرفع باقى الأخبار وينشر قصة أدبية كبيرة، على كل الصفحة.. بينما كانت هناك قصة أخرى تحتل الصفحة الأخيرة لنفس الأديب، وكان سعد مكاوى!!
والثانية مع جريدة الجمهور المصرى للصحفى الكبير أبوالخير نجيب، إذ كان يستغل حذف الرقابة العديد من الأخبار، فكان يكتب عبارة «رقابة» مكانها.. ثم استمرأ العملية فكان يحذف أخباراً عديدة وينشر مكانها عبارة «رقابة» ليوهم القراء بأن السبب هو الرقابة.. وأن صحيفته كانت تملك العديد من الأخبار.. ولم تجد السلطة - أيام عبدالناصر - إلا أن «تلفق» له قضية وتسجنه سنوات عديدة عقاباً له!!