الحياة مع... «العادى الجديد»

سيلڤيا النقادى الجمعة 27-11-2015 21:11

العادى.. «العادى الجديد» ليس مصطلحاً مستجداً يرتبط بالأحوال والأجواء التى يعيشها العالم الآن وما يلحق به من روتين أو ممارسات يومية تسكب ظواهرها أو نظامها أو أشكالها على جوانب كثيرة فى حياتنا لتحولها إلى أسلوب حياة- مقبول كان أو غير مقبول- بل هو مصطلح يرتبط بالأعمال والاقتصاد يحيل إلى الأوضاع الاقتصادية المتابعة للكارثة المالية التى وقعت عام ٢٠٠٧ - ٢٠٠٨ بالولايات المتحدة الأمريكية ونتائجها التى أسفرت عن كساد عولمى اقتصادى بدأ من ٢٠٠٨ وحتى ٢٠١٢ وهو يعنى أن الأوضاع التى كانت غير معتادة فى السابق أصبحت الآن بمثابة العادية.

هذا المصطلح يعود مرة أخرى من جديد فى ثوب اكثر اتساعاً لا يشمل فقط الأوضاع الاقتصادية التى ارتبط بها فى السابق بل أصبح شاملاً لكل أوجه الحياه محولاً اللامعقول إلى معقول يستوعبه ويتقبله ويتعايش معه البشر على أنه شىء عادى!! فبدأ من السياسة الأمريكية التى حولت بلادها والعالم من حولها إلى حالة من الاعتياد للحرب الدائمة والمستمرة، إلى إباحة زواج الشذوذ، إلى ما لا نهاية له من تغيرات يصعب على جهاز الإنسان العصبى تقبلها الأمر الذى سبب له أمراضا نفسية وفسيولوچية دون أن يدرى أن منبعها هو هذا اللامعقول الذى أصبح عادياً وممارساً!!

إذن ما هو العادى الجديد الذى نعيش معه الآن جنباً إلى جنب؟؟ أشلاء وصور القتلى التى كان الإعلام المحترم سابقاً يرفض بثها احتراماً لحرمة الموتى ومشاعر المشاهدين؟؟ أم الانتحاريون من النساء والرجال الذين يتحزمون بالقنابل والمتفجرات حتى أصبح شكلهم أضحوكة ومصدراً للاستهزاء والاستخفاف من خلال لعب بلاستيكية للأطفال أو شخصيات كارتونية معتوهة فى الأفلام؟؟.. هل مشاهد القوارب والخيام التى يهرب إليها أو يلجا إليها شعب هجر وطنه هرباً من الموت إلى موت آخر أصبحت مشهداً اعتيادياً؟؟ وهل الاستعمار فى صورته الجديدة الحقيرة لنهب ثروات البلاد والتدخل السافر المستفز فى شؤونها- عينى عينك- أصبح أيضاً مقبولاً وعادياً؟؟.

هل العادى أن يصلى ويدعو العالم من أجل باريس بينما تترنح بيروت تحت وطأه التفجيرات لمدة يومين قبل حادث باريس دون أن تتعرض لها وكالات الأنباء بخبر!!.. العادى أن تنفجر قنبلة فى جنازة ببغداد ولا ذكر للحادث، والعادى أن يجوب ناس من الشرق للغرب حاملين كل ما يمتلكونه على ظهورهم لشهور وليس لديهم مكان يؤويهم!! وهل من العادى أن تقصف الولايات المتحدة منذ يومين مستشفى فى العراق يسقط فيه ٣٠ قتيلا على الأقل من المدنيين وتصدر بيانا بأنه «خطأ بشرى» لا تعير له وسائل الإعلام اهتماماً!! ارتفاع نسب الطلاق أصبح العادى الجديد، والعنوسة والمرأة المعيلة للأسرة بأكملها أصبحتا أمراً عادياً... الشذوذ الجنسى بين الفتيات والفتيان يدخل فى مرحلة الاعتياد.. أما المخدرات والحبوب المهدئة!! هل من بيت يخلو منها؟؟.. أليس العادى الجديد أننا أصبحنا نعيش وسط القمامة ونستنشق روائحها كل يوم، وأليس العادى الجديد أن تطربنا الأغانى الإباحية الهابطة؟؟ وأليس العادى الجديد أن يصبح تحليلنا للأحداث كله مبنياً على نظرية المؤامرة؟؟ العرى والصدور المكشوفة أصبحا أمراً اعتيادياً بعيداً عن أى معنى للسيطرة.... ونظرة أكثر دقة، تعال ادخل على شبكات التواصل الاجتماعى وشاهد صور العرى السيلفى للفتيات وهن يجلسن فى أوضاع جنسية مخلة تسمح بالمنافسة وتقديم عروض مغرية لهن من أجل التواصل مع الشبكات الإباحية الأمر الذى أصبح اعتيادياً وليس صادما!!

التغيرات المناخية هى العادى الجديد وما ينتج عن ذلك من موجات حرارية.. جفاف حرائق.. عواصف شديدة.. ارتفاع نسب منسوب البحار والمحيطات.. نقص فى المياه العذبة والغذاء.. انقراض نباتات وحيوانات وانهيار كامل للمنظومة البيئية!! هى أشياء اعتاد العالم على مشاهدة كوارثها كل يوم.

نعم هذا هو عادى حياتنا الجديدة، هكذا أصبحت وهكذا سوف نحيا معها، ربما نحول هذا المصطلح إلى شىء إيجابى ليصبح لدينا «عادى جديد» نتبنى فيه استراتيجيات وخططا ومفاهيم وأساليب تساعدنا على التكيف والتفاهم مع هذا العادى. وقبل أن أنهى المقال أريد أن أشارككم رسالة طريفة بعث بها أحد الظرفاء توضح التجاوب مع العادى الجديد.. يسأل المرسل «كيف كان اليوم فى الشرق الأوسط؟؟».

وقد جاء الرد: كان هادئاً نوعاً ما، فى الصباح أسقطت تركيا طائرة روسية وهاجم داعش فندقا فى شمال سيناء فقتل قاضيا ووكيل نيابة وعدة جنود... واليمن أطلقت صاروخ سكود اعترضته السعودية بصاروخ باتريوت، وفجر أتوبيس يحمل جنود الحرس الجمهورى فى تونس فقتل ١١ جنديا على الأقل لاختتام العشاء.. ولكنها الساعة الثامنة مساءً الآن ومازال الليل أمامنا طويلاً...!!

عادى.. «العادى الجديد».

selnakkady@gmail.com