المؤامرة العالمية.. نبوءة متحققة (٢)

عمرو الزنط الجمعة 27-11-2015 21:11

كان من الممكن تفادى تأزم تداعيات حادث طائرة شرم الشيخ ببساطة، عن طريق الاعتراف بوجود خلل فى منظومة المطار الأمنية، وفى تدريب و«مسؤولية» بعض العاملين فيه؛ فذلك ثبت أنه حقيقى، بصرف النظر عن سبب سقوط الطائرة الفعلى.. وبعد الاعتراف كان يجب إثبات الجدية فى محاولة إصلاح الأخطاء، ربما عن طريق تعيين شركات خاصة لتولى تأمين عملية مرور الركاب والحقائب ولو مؤقتا.

هذا ما تفعله بعض الدول الغربية فى مطاراتها، لكن فى مصر اعتبرنا الموضوع حساسا بدرجة لا تسمح بمثل هذه الإجراءات. على العكس، فالموضوع فى نظرنا تطلب استرجاع الكلام عن الماضى الاستعمارى، الممثل ربما فى تصرفات بريطانيا وسفيرها ومؤامراتهما على مصر.. رغم أن الحقيقة بالطبع أن الـ«صفعة الروسية»، الممثلة فى منع شركتنا الوطنية (مصر للطيران) من الهبوط فى موسكو، كانت أقسى من أى شىء أقدمت عليه الإمبراطورية التى كانت لا تغيب عنها الشمس.. كانت الصفعة قاسية، لأن من المفروض أن «بوتين» صديق، وأنه فى مواجهة مع العالم مثلنا، وهناك «نوستالجيا» لأيام زمان.. لما كان معسكر الشرق يواجه الغرب «واحنا جانبه ومعاه» ضد الهيمنة والتسلط.. لكن الواقع هو أن روسيا «أيام زمان»، وخاصة فى أعقاب حرب ١٩٧٣، «اخدت مننا كلام تقيل قوى»، من النوع الذى يوجه الآن صوب الولايات المتحدة، نتيجة دورها «المقصر» كحليف لنا ونياتها المبيتة لإفشالنا كدولة (تذكروا المواضيع التى انتشرت بعد الحرب عن الأسلحة السوفيتية المتخلفة والخبراء الروس الذين تجسسوا على قواتنا وربما حتى أمدوا العدو بالمعلومات).

ربما أن كل حليف يتحمل فى مرحلة ما جزءًا من عبء إحساسنا بالعجز.. ورد الفعل المصاحب، المجسد حاليا فى اعتقادنا بأن روسيا كانت من الممكن أن تقف بجانبنا عند إنكار أدلة معطيات الواقع فى حادث الطائرة.. فحتى بالمقارنة بنظام «بوتين»، أو الاتحاد السوفيتى فى شيخوخته الشمولية، نبدو مغيبين عن آليات عمل العالم.. وذلك، فى حد ذاته، يضعنا فى صراع معه.

الكثير يتحدث عن عودة الاستعمار، وهدفه الآنى تفكيك وتدمير دول المنطقة. لكن لا أحد يشرح، بطريقة مقنعة، لماذا يعود فى هذه الصورة الفتاكة بالذات. فالاستعمار التقليدى لا يرمى عادة إلى تفكيك البلاد المحتلة وتحويلها لخراب، لأن هدفه الأساسى هو استغلال تلك البلاد اقتصاديا، لذلك من مصلحته أن تكون فى حالة معقولة على الأقل.. مثلا، إذا أرادت بريطانيا (منذ مائة عام) استغلال قدرة مصر على إنتاج القطن وتصديره، فعليها التأكد من أن البلاد بها منظومة سكك حديدية وموانئ على مستوى جيد، وعليها التأكد من وجود قدر أدنى من التعليم يسمح بتأهيل المحاسبين والموظفين فى المجال التجارى وفى النقل... إلخ..

أما نظرية المؤامرة السائدة حاليا- رغم بعض الكلام عن ارتباط الاستعمار الجديد بالعولمة إلخ...- فهى تقرّ ضمنيا بأن الاستعمار الجديد لا يرمى أساسا إلى استغلال البلاد أو إخضاعها اقتصاديا، كما كان الحال عامة مع الاستعمار التقليدى، إنما لتفكيكها وتدميرها فعليا و«تصفيتها جسديا». لماذا؟ «لأن مصر هى القوة الوحيدة القائمة فى وجه مخططات الغرب». لكن هذه المقولة، إذا أخذناها جديا، تستدعى السؤال:

كيف؟ هل مصر يمكن أن تمنع البترول عن الغرب، أو مرور السفن فى قناة السويس مثلا؟ ماذا سيستفيد الخارج إن صارت مصر خرابة، ألن يمنع ذلك مرور السفن والبترول، وألا يعنى خسارة للشركات المستثمرة فى مصر؟ ماذا استفاد الغرب بالفعل من الدمار فى سوريا وليبيا ليكرر التجربة فى مصر، إذا كانت من صنعه فعلا؟ حتى إسرائيل، هل من مصلحتها الفوضى المطلقة والدمار حولها؟ ألم تثبت التجربة أن قواتها أكثر فاعلية فى مواجهة الجيوش المنظمة عن الجماعات المسلحة؟

أى كلام جدى عن المؤامرة يجب أن يجيب عن مثل هذه الأسئلة.. فى غير ذلك يحتوى الحديث إما على عدم جدية، أو انتهازية، أو نظرة مدمرة فعلا للعالم: من أول كونه كلاما هدفه التنفيس عن شحنة غضب، وإحساسا بالعجز فى ظل أوضاع منهارة ومتراخية، مرورا بكونه يعبر عن انتهازية فكرية يعتنقها المتكلم لأنه يعرف أن هذا النهج يريح الناس والسلطة، ووصولا إلى أن المتكلم يمكن أن يكون فعلا مقتنعا بأن هناك مؤامرة كبرى، لأنه مقتنع أن الصراع مع الآخر حتمى نتيجة استحالة وجود لغة مشتركة للحوار والتواصل.. وإن طبيعة الغرب أن يعمل على تدمير منطقتنا، حتى دون أن يكون له عائد مصلحى واضح؛ وطبيعة الأمور أن نحاول نحن تدميره إن استطعنا أيضا. هذا منظور لا يختلف جوهريا عن إطار القاعدة وداعش التفسيرى للعالم، فهو وليد نفس التراث والواقع الفكرى.. وفيه وجه للمأساة، لأنه يستدعى المؤامرة بالفعل

الفكرى.. وفيه وجه للمأساة، لأنه يستدعى المؤامرة بالفعل.