انتخابات المرحلة الثانية.. إيجابيات ومثالب وتغيرات

عمرو هاشم ربيع الجمعة 27-11-2015 21:12

أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات، مساء الأربعاء الماضى، نتائج الجولة الأولى من المرحلة الثانية من الانتخابات، وتناول ضمن ما تناول الأمور المتصلة بالمشاركة، وفى هذا الصدد نتطرق لأهم الملامح العامة لتلك الجولة:

أولاً: أن تلك الجولة من الانتخابات جرت بين متنافسين جدد سواء بالنسبة للترشيح على مقاعد القوائم المطلقة أو الترشيح على المقاعد الفردية. فبالنسبة للمقاعد المطلقة وعددها هنا 60 مقعدًا، عرفت تلك الجولة للمرة الأولى مشاركة التحالف الجمهورى، بقيادة تهانى الجبالى، وعرفت خروج متنافسين سابقين أسسوا قوائم كنداء مصر وقائمة الصحوة وفرسان مصر، وهى القوائم التى كانت تتنافس على قطاع أو قطاعين فى المرحلة الأولى من الانتخابات. وكانت قائمة فى حب مصر هى القائمة المشتركة فى القطاعات الأربعة فى المرحلتين. وبالنسبة للمترشحين فى تلك القوائم، فقد ضمت كل قائمة كما كان فى المرحلة الأولى أطيافا عديدة، منها ما انتمى للنظام السابق مع الحالى، ومنها ما انتمى للفكر الليبرالى والاشتراكى، ومنها المرتبط بالأحزاب العتيقة جدا كالتجمع، والجديدة نسبيًا كالمصريين الأحرار والجديدة جدًا كمستقبل وطن. وكانت قائمة النور وحدها هى التى حملت طيفًا واحدًا، وهو التيار الدينى فى ثوبه السلفى.

ثانيًا: على جانب الترشيح الفردى، تنافس فى هذه الجولة 2893 مترشحًا، بزيادة 523 مترشحًا عن المرحلة الأولى، منهم 918 حزبيًا من 45 حزبًا، بنسبة 31.7% وهو عدد يقل قليلًا عن نظرائهم فى الجولة الأولى الذين كانوا 883 بنسبة 34.7%. أما المستقلون فكان عددهم فى تلك المرحلة 1975 بنسبة 68.3%، وذلك مقارنة بـ1665 فى المرحلة الأولى بنسبة 65.3%، وبذلك زادت نسبة المستقلين فى هذه المرحلة، وهو ما قد ينذر بعد انتهاء تلك المرحلة بزيادة تواجدهم فى البرلمان.

ثالثًا: إن الحديث عن زيادة تواجد الأحزاب السياسية فى هذا المرحلة، بوجود 45 حزبًا يترشح أعضاؤها على الفردى، يبدو حديثًا مخادعًا، إذ إن هناك نحو 27 حزبًا تشارك فى الترشيح هنا بعدد أقل من 10 أشخاص، ومن ثم تبقى الأحزاب الأبرز فى المرحلة الأولى هى ذاتها فى المرحلة الثانية، وهى الـ12 حزبا التى رشحت فى المرحلة الثانية أكثر من 25 مترشحا كالمصريين الأحرار ومستقبل وطن والوفد، وبعض الأحزاب رشح غير المنتمين له فى الأصل، وذلك بجذب وجهاء العائلات والقبائل كما حدث فى المرحلة الأولى.

رابعًا: تباينت المنافسة على المقعد الفردى بين المحافظات المختلفة، ففى المرحلة الأولى كانت الأكبر أسوان بواقع مقعد لكل 16 مترشحا، لكن هنا كانت المنافسة أكبر، فكانت بورسعيد حيث تسابق 22 مترشحا على المقعد الواحد، تلتها القاهرة فالسويس 17 متنافسا على المقعد فى كل منهما، وكان أدناها فى شمال سيناء فالغربية بواقع تنافس 7.4 و10.8 مترشح على المقعد على الترتيب. وبطبيعة الحال، تلك الأرقام تفسرها زيادة عدد المترشحين فى تلك المرحلة إجمالا عن المرحلة الأولى، مع ثبات عدد المقاعد المتنافس عليها تقريبًا بين المرحلتين.

خامسًا: اتسم التواجد الحزبى فى المحافظات بالنسبة للترشيح الفردى بالتباين فجنوب سيناء كانت الأحزاب متواجدة بنسبة 44% تلتها المنوفية 38% فالقليوبية 34%، وهى بيانات على أى حال مع تدنيها فى المحافظات الأخرى، توضح أن المنافسة كبيرة بين المستقلين وعددهم هو الأكبر، والحزبيين وعددهم هو الأقل.

سادسًا: فيما يتصل بالهيئة الناخبة وعددها هنا يتجاوز الـ28 مليون ناخب، فلا يبدو أى جديد مقارنة بالهيئة الناخبة فى المرحلة الأولى. إذ كانت أبرز السمات فى هذا الصدد، أنه رغم تشابك المراكز القانونية للناخبين، إلا أن الغبن الواقع عليهم كان كبيرًا للغاية بسبب قانون الانتخاب، فدوائر أشمون ودسوق وميت غمر ينتخب ناخبها 49 شخصا 45 من القائمة و4 من الفردى، بينما دوائر مثل الضواحى ومشتول السوق ينتخب ناخبها 16 شخصا منهم 15 ضمن القائمة وواحد من الفردى.

سابعًا: كان أداء اللجنة العليا للانتخابات قد أثار الكثير من الجدل فى هذه المرحلة مقارنة بالمرحلة السابقة، وكان سلوك اللجنة تجاه المتجاوزين من المترشحين وكذلك أجهزة الإعلام الخاص هما السبب وراء الحديث عن وجود تراخ، لاسيما بعد أن صدر عن اللجنة ما يفيد أنها يصعب عليها ملاحقة المتجاوزين إلا بموجب بلاغات محددة، رغم أن بعض تلك التجاوزات بين المترشحين يتم على الهواء مباشرة.

ثامنًا: كان أبرز الشواهد فى تلك المرحلة ارتفاع نسبة المشاركة مقارنة بالمرحلة السابقة، إذ كانت فى تلك الجولة 29.83% مقارنة بـ 26.56%. هنا يبدو أن السبب وراء ذلك يرجع إلى أن مرشحى هذه المرحلة أخذوا بعض الدروس من زملائهم بالمرحلة السابقة، وكثفوا من دعايتهم لحثهم الناخبين على المشاركة. كما أن زيادة عدد المترشحين تعد سببًا آخر، لأنه كلما زاد عدد المترشحين زاد آليًا عدد الناخبين. الأمر الثالث هو أن الجبهة المتهمة بالتقصير فى الذهاب للصندوق وهم الشباب (18-40 عامًا)، قل تأثيرهم فى تلك المرحلة، فهم شكلوا 60% من ناخبى المرحلة الأولى، مقابل 54%من ناخبى المرحلة الثانية. من ناحية أخرى، فإن خوض الانتخابات فى تلك المرحلة على 25% تقريبًا من مساحة مصر مقابل 75% يجعل الحشد أكثر ويظهره بشكل أكبر. وفى المرحلتين ظلت مسألة مشاركة السيدات وكبار السن هى السمة المميزة للعملية الانتخابية، وإن كان من المهم ملاحظة أن الشباب كانوا هم الأكثر تصويتًا بين المصريين فى الخارج، وهو أمر يبدو أنه مرتبط بداية بكبر هذه الشريحة أصلاً بين المصريين المقيمين فى الخارج.

تاسعًا: على مستوى المحافظات كانت السمة العامة فى المرحلتين هى أن المدن محدودة المشاركة مقارنة بالمحافظات الأقل تحضرًا. هنا كانت الجيزة والإسكندرية هى الأقل فى المشاركة فى الجولة الأولى من المرحلة الأولى بنسبة 21.27% و23.76% على الترتيب، وفى الجولة الثانية كانت المحافظتان 16.32% و14.83% على الترتيب. الآن كانت القاهرة كعادتها أقل نسب المشاركة بعدها السويس مباشرة، إذ احتلت العاصمة 19.96% بينما سبقتها السويس بنسبة 18.01%. أما أكثر المحافظات مشاركة فكانت جنوب سيناء فكفر الشيخ فالدقهلية بنسب 41.06% و36.82% و36% على الترتيب، وهى نسب تتوافق تقريبًا مع ذات النسب فى محافظات الوجه البحرى فى الانتخابات السابقة عامة.

عاشرًا: هناك ثلاث ظواهر مهمة وإيجابية فى تلك الانتخابات:

أ - أن تلك الانتخابات لم تشهد أى انتهاكات ممنهجة من قبل السلطة. ويبدو أن هذا الأمر راجع إلى عدم وجود حزب لرئيس الدولة أو حزب يرتبط مباشرة وعلنًا بالسلطة الحاكمة، وكذلك لأن المترشحين على اختلافهم هم جميعًا من أبناء 3 يوليو 2013. وأخيرًا، أن قانون الانتخاب هندس العملية برمتها، وتحكم فى تركيبة العضوية من البداية، ومن ثم لم يعد مهما أن تتدخل السلطة لتغيير الأوضاع. وعلى أية حال، فإن ما جرى سيسفر عن عادة حسنة متصلة باستهجان تدخل السلطة فى الانتخابات مستقبلا.

ب- أنها انتخابات جرت بلا عنف. وهذه الظاهرة غريبة على المجتمعات النامية التى تستخدم النظام الفردى فى الترشيح للانتخابات. ولكن الأرجح أن المتنافسين استعاضوا عن العنف فى تلك الانتخابات بالرشى الانتخابية، وهو الأمر الذى وسم تلك الجولة أكثر من المرحلة الأولى.

ج- يرتبط بالملاحظة السابقة ملاحظة مهمة، وهى أن الرشى الانتخابية رغم نجاحها فى بعض الدوائر إلا أنها فشلت فشلا كبيرًا فى دوائر أخرى.

د– إن تلك الانتخابات جرت بدون دعاية دينية لصالح طرف ما. وهذا الأمر يحسب لحزب النور تحديدًا، وإن كان من المهم أن نشير إلى أن هذا الأمر هو حنكة من الحزب أكثر من أن يكون موقفا مبدئيا منه، يتشابه فى ذلك قراره بالانسحاب من الانتخابات فى قطاع شرق الدلتا وجنوب ووسط الصعيد درءا للحديث عن هيمنة، ولتمرير حملة لا للأحزاب الدينية دون أى صدام قد يودى به على أرض الواقع.

حادى عشر: من المثالب الواضحة فى تلك المرحلة أنها شهدت تلاسنا كبيرا بين أنصار قائمتين، أسفر عن تشويه صورتهما، ويبدو أن تلك الاتهامات كانت ذات طابع انتخابى أكثر منه سياسيا، ويبدو أيضًا أن أطرافًا من خارجهم استخدمتهم لتصفية حسابات، خاصة أن هناك مدا لمعلومات لأحد الأطراف.

ثانى عشر: اتسمت نتائج تلك الانتخابات بظواهر مهمة. فقد فاز 9 من الجولة الأولى مقابل 4 فى المرحلة السابقة. كما فاز مسيحى لأول مرة من الجولة الأولى وذلك فى دائرة م. نصر. وبرز نفوذ الحزب الوطنى ضمن الفائزين التسعة، وهو أمر ينذر بزيادة كبيرة فى عددهم فى الجولة التالية. جدير بالذكر أن نواب الوطنى فاز منهم فى المرحلة الأولى 37 نائبا سابقا. إضافة إلى ذلك، استمر صعود السيدات بشكل أكبر من المرحلة الأولى. كما ربحت الأحزاب التى سبق أن ربحت واستمرت خسارة الأحزاب التى خسرت. ورغم تصويت أكبر للمصريين فى الخارج مقارنة بالمرحلة الأولى، إلا أن ضآلة تلك الأرقام كان السمة الرئيسية، إلا حد أن تصويت الخارج لم يحسم أى معركة انتخابية فى الداخل.

ثالث عشر: أن الرؤية بشأن تركيبة العضوية النهائية تبدو الآن أكثر وضوحا، وهى أمور على أى حال ستفضى إلى الحديث عن التكتلات القادمة وأوضاع الأحزاب والمستقلين تحت القبة. هنا يرجح صعوبة كبيرة فى استمرار «حب مصر» كتحالف انتخابى وتحويله لتحالف سياسى تحت القبة، على الأقل بسبب التباين الكبير فى توجهات الأحزاب المكونة لحب مصر.

وهكذا يبدو أن الحديث فى الأيام وربما الأسابيع القليلة القادمة سيتركز بعد حسم مسألة رئاسة المجلس، على ثلاث مسائل هى لائحة المجلس، والتعامل مع القرارات بقوانين التى صدرت، وأخيرًا الثقة بالحكومة.