عم الدكتورة منى!

سليمان جودة الخميس 26-11-2015 21:29

فى مطار الدار البيضاء أهدتنى الدكتورة منى مكرم عبيد كتابها «مكرم عبيد.. كلمات ومواقف»، الذى يزيد على 500 صفحة من الحجم الكبير، وكنت كلما قطعت فيه شوطاً بدأت من جديد، لأنه وجبة مكتملة لمن شاء أن يغذى عقله بمواقف باقية، وكلمات لا تمحوها الأيام!

وقد كنت- ولاأزال- أحسد الدكتورة منى، مرتين: مرة لأن عمها هو مكرم عبيد باشا، ومرة لأن الحظ قد أسعدها وهى صغيرة تحبو، بأن حملها ذلك العم العظيم على كتفه بإحدى يديه، بينما السيجار الشهير فى اليد الأخرى، وقد وقف يتطلع نحو الكاميرا فى شموخ وكبرياء!

الصورة التى تجمعها مع عمها منشورة فى ملحق يضم صوراً أخرى، فى آخر الكتاب، ومنها صورة زفافه، الذى اختار له أن يكون فى يوم 13 نوفمبر.. ذكرى عيد الجهاد، يوم ذهب سعد باشا زغلول، وعبدالعزيز بك فهمى، وعلى باشا شعراوى، فى 13 نوفمبر 1918، يطلبون الاستقلال لمصر، فكانت تلك هى البداية إلى ثورة 19 وما تلاها.

ولابد أن الدكتورة منى بنجاحها أستاذاً فى الجامعة، أو نجاحها كشخصية عامة ذات مكانة فى بلدها، وفى منتديات المنطقة والعالم، ثم نجاحها وقت أن كانت فى البرلمان لدورات عدة سابقة، قد أخذت شيئاً من بريق عمها، الذى كان يوصف دائماً بأنه: المجاهد الكبير.

ولابد أيضاً أن جيل الشباب مدعو هذه الأيام إلى أن يعرف أن ذلك المجاهد الكبير كان قد تخرج فى أكسفورد، إحدى أعظم جامعات الدنيا، وأنه كان وزيراً للمالية عدة مرات، وللمواصلات، وللتموين، وكان نقيباً للمحامين لأكثر من دورة، ثم إنه كان السكرتير العام الأشهر لحزب الوفد، وكان قبل ذلك كله، وبعده، يمتلك حساً وطنياً رفيع المستوى حقاً!

قال: وما المسيحى ديناً إلا مسلم وطناً.. وقال عن الأزهر: مَنْ لم يكن له فيه نصيب الدين، فإن له فيه نصيب مصر، وعلى كل مصرى أن يغار عليه، غيرته على كل ما يمت إلى مصر.. وقال: كلانا على دين به هو مؤمن، ولكن خذلان البلاد هو الكفر!.. وقال: الاستقلال حالة نفسية، قبل أن يكون حالة سياسية، فإذا كان المصرى غير مستقل بنفسه، وفى نفسه، فقد انهار الركن الركين من الاستقلال السياسى!

وقال: يقولون «أقباط ومسلمون».. كلا.. بل هم مصريون ومصريون، أو قولوا هم أخوة، لأنهم بدين مصر مؤمنون، أو أشقاء لأن أمهم مصر، وآباهم سعد زغلول.. ثم قال عن الفلاح وكأنه يقرأ حالنا اليوم: والحق أنى ما مررت بقرية من قرانا، ورأيت الفلاح يكاد يأكله العمل، وغيره يأكل ويلبسه العُرى، وغيره يرفل ويضنيه العيش القذر، فكأن المسكين يخرج من الجنة ليدعنا ندخل.. كلما شهدت هذه المزريات تولانى شعور أشد إيلاماً من الحزن والأسى، لأنه مقترن بالكثير من الخجل، ومن الوجل، فلقد كنت أسائل نفسى: هل حقاً قد حققنا لمصر استقلالها؟!

الكتاب صادر عن هيئة الكتاب، بتقديم للدكتور أحمد زكريا الشلق، وحين تقرؤه سوف تجد سؤالاً يلح عليك من الغلاف إلى الغلاف.. السؤال هو: كيف يكون رجال بهذا الوزن قد مروا فى بلادنا، ذات يوم، وتركوا من ورائهم ما تركوه، ثم يكون هذا هو حالها الذى نراه.. كيف؟!.. كيف هان البلد.. وهان أهله، إلى هذا الحد؟!.. إن مصر تستحق ما هو أفضل.