بدأت نيابة شرق الإسكندرية التحقيق فى البلاغ الذى تقدم به طارق محمود، الأمين العام لائتلاف «تحيا مصر» بالإسكندرية، للنائب العام ضد «عبدالمنعم أبوالفتوح»، رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسى والقيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين، اتهمه فيه بالتحريض على إسقاط مؤسسات الدولة وإهانة رئيس الجمهورية لمطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وبدأت النيابة بالفعل فى التحقيق مع «عبدالمنعم أبوالفتوح» وهو ما أثار بحق دهشتى فالمفهوم أن يقول الرجل رأيه، وأن يتفق معه البعض ويختلف معه البعض، وأن يكون الرأى محل سجال وصل بالفعل إلى حد السخرية من الرجل على مواقع التواصل الاجتماعى، لأنه يحاول استعادة سيناريو عزل الرئيس الأسبق «محمد مرسى» دون أى سند من الواقع لأن سيناريو عزل «محمد مرسى» قد استند فى الأساس لرغبة أغلبية المصريين، بينما كتب آخرون عن مواد الدستور التى تنظم مسألة الانتخابات الرئاسية المبكرة متى كانت هناك حاجة لها.. المشكلة هنا أن تدخل الدولة طرفا فى هذا السجال فى شكل تحقيقات رسمية من جانب النيابة، وكأنما الدولة تقتص ممن يختلف معها باستخدام أدوات الدولة ومؤسساتها الرسمية دون النظر فيما تسمح به القوانين وما لا تسمح به.. فمن حق أى شخص أن يقول ما يريد ومن حق الآخرين مناقشته والاختلاف معه، ولا يوجد رأى يهدد الدولة فتسارع الدولة بالاقتصاص ممن قاله فهذا بالأساس يعلى من شأن قائل هذا الرأى ومن عبر عنه ويقلل من شأن الدولة التى تهتز أمام رأى مهما كان هذا الرأى.
الواقع أن هذا الأداء يجب أن يتوقف من أجل الدولة نفسها قبل أن يكون من أجل المجتمع والحفاظ على الحريات، خاصة أن هناك سلسلة من التصرفات مارستها الدولة فى الفترة الأخيرة أثرت كثيرا فى صورة الدولة نفسها ومدى قدرتها وقوتها بل مدى رشادة تصرفاتها.. فما جرى من رد فعل الخارجية الخشن والبعيد تماما عن الدبلوماسية على تصريح الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون» على اعتقال الحقوقى حسام بهجت، ثم القرار بالإفراج عن «حسام بهجت» بعدها بساعات قليلة عكس ضعف وليس قوة الدولة، وهو ما تكرر بالضبط فى نفس التوقيت من رد فعل الدولة على تصريحات «جون كيرى» فيما يخص اعتقال المهندس «صلاح دياب» وابنه على طريقة «وانتو مالكم»، ثم تصريحات رئيس الجمهورية، ثم الإفراج عنهما.. كل هذه التصرفات لا تصب فى تشكيل صورة دولة تتصرف بحكمة ورشادة وطبقا للقانون بل تخلق صورة مهتزة لدولة تريد أن تقول إنها قوية، بينما هى تتصرف بانفعالية وبأداء يبتعد كثيرا عن أن يكون إطاره دستورا أو قانونا، والواقع أن هذا لا يبدأ من هذه الوقائع فقط والتى استمدت قوتها من المبالغة فى التصرف خارج القانون، وتأثير ذلك داخليا وخارجيا لكنه يبدأ من اعتقال «صبى» لأنه يرتدى «تى شيرت» مكتوبا عليه «لا للتعذيب»، والتوسع فى توجيه الاتهامات دون سند حقيقى مما يؤثر حتى على النظر إلى الدولة بصفتها الحامية لمواطنيها لا الباطشة بهم، والذين يتحدثون عن لجوء الدول الأوروبية وبالذات فرنسا إلى قوانين الطوارئ بعد الأحداث الأخيرة لا يدركون أن المشكلة ليست فى اللجوء لهذه القوانين بفعل الظروف الاستثنائية ولكن فى طريقة التطبيق لهذه القوانين.
المشكلة أن «كورس» الإعلام الذى لا يجيد إلا التطبيل والتهليل والدفاع عن الفاشية والحض عليها بصفتها الوطنية الحقة أفسد طريقة تفكير المصريين وتصورهم لما يحدث فى الواقع وتقديرهم لدور مؤسسات الدولة وطريقة بناء هذه الدولة والتعبير عن قوتها واستقلاليتها فى الداخل والخارج، فقوة الدولة لا تأتى بأسلوب «وانتو مالكم»، ولا بالتهويل من نظرية المؤامرة التى تترصدنا من كل الأطراف الدولية حتى من كانت بالأمس حليفة... قوة الدولة وقدرتها تأتى من رشادة تصرفاتها والتعامل مع إرساء مصالحها فى مواجهة مصالح الآخرين وليس بناء دولة تشعر بأن الكل يستهدفها فتنكفئ على نفسها مذعورة مما يحاك لها.
اتركوا أبوالفتوح وغيره ليقول رأيه، وليأتى الرد عليه فى مقالات أو فى تعليقات، اتركوا التفاعلات تحدث، ولا تصادروا الاختلاف مهما كان، فمصادرة الاختلاف ومحاكمته لن تنهى وجوده.