برلمان على «قد الحال»

مي عزام الأربعاء 25-11-2015 21:08

ظهرت ملامح البرلمان المقبل قبل جولة الإعادة فى ختام الاستحقاق الأخير فى خريطة المستقبل. كل الأطراف تتحدث علنا عن شراء الأصوات، وتزوير إرادة الناخبين، وتعطيل الكتلة الواعية من الناخبين نتيجة قرارات كثيرة محبطة لم تأخذ فى اعتبارها حماس الشباب بعد سنوات من الحراك الثورى الساخن، وفورة الأمل التى ملأت النفوس بعد 11 فبراير 2011، وهذا يعنى أن صورة البرلمان المقبل سلبية ومشوهة جدا، حتى قبل أن يبدأ جلسته الأولى.

هذه الصورة السلبية دفعت البعض للتصريح علنا أن البرلمان وُلد ميتا، وأنه سيُحَل لا محالة، وبالغ بعضهم فقال إنه قد لا يكمل العام!.

الحقيقة أن المبالغة فى الهجوم على البرلمان قبل انعقاده، جعلتنى أفكر فى الجانب الإيجابى، ربما أخفف عن نفسى وطأة اليأس بعد أن تشبعت بالإحباط نتيجة قراءة وسماع السلبيات وفقط.

أهم نقطة إيجابية تمثلت فى شطرة من بيت شعر قديم تقول: «كل إناء بالذى فيه ينضح»، فهذا البرلمان من ذاك الشعب، ومن تلك السلطة، هذا البرلمان يمثل مصر الحالية خير تمثيل، هذه هى طريقتنا فى الاختيار، وفى صنع القرار، وفى الإعلان عن أفكارنا، وفى تحقيقنا لأهدافنا، وفى رسم صورتنا أمام العالم، فإذا لم يعجبنا البرلمان علينا أولا أن نغير الكثير فى أنفسنا، وفى إدراكنا لقيمة البرلمان أصلا فى صناعة مستقبلنا، وهذا التغيير مسؤولية مشتركة بين المواطن وبين سلطة الحكم، وأنا أشك أن الطرفين يفكران بجدية فى موضوع الديمقراطية، فهى نبتة غربية غير مفهومة، نضطر لاستخدامها لأننا لا نستطيع أن نختار نظاما سياسيا آخر، فقد صار التمثيل النيابى مثل «الكوكا كولا» مشروبا عالميا، تتعاطاه الشعوب فى معظم الأحيان لمجرد توفره وفرضه عن طريق شركات إنتاج وتسويق عابرة للقارات تقول لكل مواطن فى العالم: «اشرب... لازم تشرب».

النقطة الإيجابية الثانية أننا استكملنا بهذا البرلمان كافة أوراق «رخصة تسيير الدولة»، وأصبحت لدينا مشروعية قانونية فى توقيع الاتفاقيات الدولية والتوسع باطمئنان فى الاستثمارات، والتعامل بشكل مؤسسى أفضل مع المنظمات الدولية التى تتحرش بنا فى قضايا الحريات وحقوق الإنسان، صار لدينا برلمان منتخب يتحمل بعض الهجوم بالنيابة عن مؤسسة الرئاسة، وهذا يؤدى إلى نوع من التوازن المطلوب بين سلطات الحكم.

النقطة الإيجابية الثالثة تتمثل فى إسقاط اتهام التزوير عن السلطة التقليدية، لكن أسلوب الانتخابات يبدو غريبا فى بلد متخلف سياسيا لم يتعود فيه الناخب على اختيار المرشح طبقا لبرنامجه الانتخابى، لكنه يختار على أسس تتعلق بمصلحة مباشرة أو مقابل مالى يبدأ من وجبة ويصل إلى مئات الجنيهات، أو حسب التربيطات العائلية أو حجم الدعاية والمؤتمرات، أو حسب سهولة الشحن فى الميكروباصات التى يوفرها المرشحون القادرون ماليا وتنظيميا، والذين يستأجرون «مقاولى أنفار» تخصصوا فى جلب الناخبين لمراكز الاقتراع.

هناك إيجابيات تختلط بالسلبيات، مثل الاحتجاج السلبى لفئات كبيرة بينها الشباب (لعل هذا الموقف ينبه السلطة إلى عدم قدرتها على التوجه نحو المستقبل بدون الشباب)، ومثل غياب الغناء والرقص أمام اللجان (وهذا يعنى غياب البهجة بين أنصار نظام 3 يوليو)، ومثل انضباط التنظيم وتراجع العنف والمخالفات (ربما ساعد على ذلك قلة الإقبال).

قبل كتابة المقال كنت أفكر فى مدى حاجتنا للديمقراطية، وكنت أعتبر أنها نظام لا يناسبنا أبدا، وأنا لا أقصد بذلك عموم الناخبين البسطاء فقط، لكن أقصد قادة العمل الديمقراطى أنفسهم، فقد سمعنا ما دار بين السيدة تهانى الجبالى المحامية والقاضية البارزة وبين اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجى ووزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل، وقبله تعرفنا على تصريحات مليئة بالسباب والشتائم من نواب دخلوا البرلمان، وطوال فترة الإعداد للانتخابات كان الشقاق والخلاف يتجاوز حدود الخطاب السياسى والأخلاقى ويتدنى إلى الدرك الأسفل من اللغة والمشاحنة.

هذه الممارسات كادت تدفعنى للكتابة عن ضرورة التخلى عن الديمقراطية والبحث عن نظام آخر يناسب مجتمعنا بكل ما فيه من أمراض ومشاكل، لكننى بعد أن هدأت رأيت أن التراجع عن الديمقراطية هو الخطر الأكبر، علينا أن نكمل المسيرة مهما كانت الخسائر، علينا أن نتذكر السلبيات ونسعى لتجنبها، ونتذكر الإيجابيات ونتمسك بها، ربما ننجح فى العبور من النفق.

ektebly@hotmail.com