أنا ضميرى واجعنى...

حمدي رزق الأربعاء 25-11-2015 21:10

اتصال صباحى من رجل أعمال محترم، فاجأنى بقوله «أنا ضميرى واجعنى».. وبمناسبة كتاباتك عن حقوق الفقراء، أقول لك وبكل صراحة إن حقوق الفقراء فى كروش رجال الأعمال وأنا منهم. رجل الأعمال الذى بدا غاضبا من سياسة الدعم الحكومى الحالية، يسأل ويجيب فى مونولوج داخلى.

الدولة تدعم السلع والطاقة ووسائل المواصلات والصحة والتعليم، تعول المواطن وهذا حقه، وفى الأخير يذهب إلى رجل الأعمال ليعمل عنده بـ1200 جنيه، لو هذا العامل غير مدعوم كل هذا الدعم لطلب 4 آلاف جنيه، وهذا راتب عادل، الفارق تدفعه الدولة من دم قلبها.

العامل المدعوم يطمع فقط فى الحد الأدنى ويقاتل المجتمع للحصول عليه، وتفرضه الحكومة بالعافية على القطاع الخاص، وعادة ما يتهرب منه أصحاب الأعمال، ويماطلون فى تطبيقه، الحكومة تقدم العامل مدعوماً إلى رجل الأعمال، تكفله لكى يستخدمه رجل الأعمال بأرخص الأسعار.

رجل الأعمال الذى يعانى ضميرياً يقول إن العامل المدعوم يتنازل عن أجره الحقيقى اعتماداً على الدعم الحكومى، الحكومة تدعم فطوره وعشاه وعلاجه وتعليمه، وحتى تذكرة المترو، ليصل العامل إلى المصنع ليحصل على الحد الأدنى، وهو راض لأن هناك من يدعمه من الخلف.

لو تخففت الحكومة من الدعم لتحدد الأجر بعيداً عن الدعم، رجل الأعمال يتحصل على العامل مدعوماً مثل الطاقة بالضبط، الدعم لا يصل إلى العامل بل إلى رجل الأعمال. عكس الشائع العمالة فى مصر ليست رخيصة، بل مدعومة، والحكومة تساهم فى الأجر بنصيب الأسد، بالدعم، ولولا هذا الدعم لاستقامت قوى السوق.

لابد أن يدفع رجل الأعمال الأجر الحقيقى والعادل للعامل، لكنهم يستمرئون العمالة المدعومة، العامل يصل إلى المصنع بوسيلة مواصلات مدعومة.. لماذا لا يدفع صاحب العمل ثمن مواصلات العامل فى أجره، نفس المواصلة التى تقدر بالألوف فى الجامعات الخاصة.. لماذا يتحصل عليها صاحب العمل ببلاش؟!

المعادلة غبية، كما يقول رجل الأعمال، وصل تدليل رجال الأعمال إلى دعم العامل فى مصنعه، يعمل بعشرة ويقبض واحد، وتتكفل الحكومة بالباقى من دم الشعب، أما صاحب العمل فآخر الغارمين وأول الرابحين من سياسات الدعم الغبية التى تسكت الأفواه عن المطالبة بأجورهم العادلة وفق نظرية العرض والطلب.

شوف طن الحديد بكام، لن أتحدث عن دعم الطاقة المنهوب، لكن راجع أجور العاملين، وقارن، ستجد أن أرخص بنود التكلفة هى الأجور.. لماذا؟ لأنها مدعومة من الدولة، الدولة تكفل وتأكل وتشرب لكى يعمل العامل عند رجل الأعمال بأقل من عشر الأجر، ويبيع الإنتاج بسعر السوق.

فوضى الدعم لا يستفيد منها الفقير بل يزداد بها الأغنياء غنى، وبدلاً من أن يدفع صاحب العمل للعامل أجره الحقيقى قبل أن يجف عرقه، تمسح الحكومة العرق بفوطة الدعم، الحكومة تدفع عن رجال الأعمال أجور العمال فى شكل دعم سلعة وخدماتى، لو وصل العامل إلى المصنع فى وسيلة مواصلات بالأسعار الحقيقية لطالب بأجره الحقيقى من عين رجل الأعمال، الـ1200 جنيه ليس هو الحد الأدنى، بل هو الحد الأدنى المدعوم حكوميا بنحو أربعة أضعاف هذا الحد الأدنى.

رجل الأعمال يرى أن تحرير السلع والخدمات يستتبعه تحرير الأجور، وهذا فى صالح العامل وقبلها فى صالح الحكومة، وعلى رجال الأعمال أن يدفعوا الأجر الحقيقى للعاملين، الدعم بصورته الحالية هو دعم رجال الأعمال وليس دعماً للعمال.. وزفر زفرة ساخنة، وأردف: «أنا حاسس إنى باستحل الدعم الحكومى، هذا سحت والعياذ بالله».