السيسى والإعلام.. والمعركة القادمة

عباس الطرابيلي الأربعاء 25-11-2015 21:24

لا أعتقد أن الرئيس السيسى يمكن أن يفرض الرقابة على الإعلام، كما فعل عبدالناصر.. فالأوضاع اختلفت والظروف تغيرت، والشعب لم يعد هو نفس الشعب.

ونعترف بأن عبدالناصر كان يفكر - قبل أن يؤمم الصحافة - فى أن يضع يده على الصحافة كلها.. عندما دفع بعدد من ضباط المخابرات للالتحاق بقسم الصحافة بكلية الآداب عام 1957 ليدرسوا الصحافة كعلم.. وحرفة.. ووسيلة، ومنهم من تولى إدارة الصحف - بعد تأميمها- ولا داع لذكر الأسماء.

ولما عجز عبدالناصر - فى بدايات الثورة - عن ترويض الصحف فكر فى أن ينشئ «صحافته هو» لتعبر عن ثورته.. وعن أفكاره.. فأنشأ جريدة الجمهورية اليومية باسمه عام 1953، ثم أنشأ مجلة التحرير الأسبوعية.. ثم أنشأ جريدة «المساء» بإشراف صديقه خالد محيى الدين، و«الشعب» بإشراف صديقه الآخر صلاح سالم.. وأتبع كل ذلك بمجلة بناء الوطن.

ولكن هذه الصحف - على كثرتها - لم تنجح فى التعبير عن الثورة كما أراد عبدالناصر.. فاتخذ طريقين: الأول هو تشديد الرقابة على كل الصحف الأخرى.. وكان معظم الرقباء موظفين فى مصلحة الاستعلامات «الهيئة فيما بعد»، وكانوا يتلقون التعليمات من الرقيب العام بمكتبه بالمصلحة بشارع سليمان باشا.. أو من مكتب وزير الإعلام مباشرة.

والطريق الثانى هو استغلال الشطط الذى مارسته الصحف، مثل قضية الجميلة «تاتا زكى» التى شغلت الرأى العام لفترة طويلة، أو قضية الشيخ سيف والشيخ الفيل، والفساد الموجود فى القضاء الشرعى، رغم أن نفس هذه الصحف هى التى أشعلت كل أصابعها لتصبح شموعاً، لتصنع نجومية عبدالناصر وتمهد له الطريق، فكان قراره بتأميم الصحافة كلها.. خصوصاً بعد فشل صحف الثورة فى القيام بدورها الذى أراده، وهكذا - وتحت مسمى تنظيم الصحافة - وما أبرعنا فى اختراع المسميات، وأبرزها النكسة بدل الهزيمة، فى مايو 1960.

وهكذا وضع عبدالناصر يده بالكامل على صحف ودور الأهرام وأخبار اليوم ودار الهلال وروزاليوسف، وكان ذلك بداية عصر أسود فى تاريخ الصحافة.

ورغم ذلك زادت قبضة الحاكم على حرية الرأى وحرية الصحافة، ولما كان عبدالناصر هو الذى يعين رؤساء تحرير هذه الصحف فإنهم كانوا ينفذون تعليماته دون مناقشة.. ولكن عبدالناصر لم يقتنع بذلك.. إذ كان يفاجأ أحياناً بنشر خبر أو موضوع لا يتفق مع أفكاره.. فالرقيب فى النهاية مجرد موظف ينفذ التعليمات وكان من الصحفيين مَنْ يتحايل ليمرر ما يشاء.

هنا جاءت عبدالناصر فكرة شديدة الخبث والدهاء.. حتى يستريح.. إذ جعل من رئيس التحرير نفسه الرقيب الأول على كل ما ينشر فى صحيفته.. وللأسف كان على كل رؤساء التحرير أن ينفذوا التعليمات.. بل ويلتزموا بها، ليستمروا فى مقاعدهم، ودخلنا مقولة: من يأكل رغيف السلطان يحارب بسيفه!! وهذه الفكرة تدل على عمق عقلية الحاكم والسيطرة على أفكار الناس.

وإذا كانت المطبعة لا تبدأ الدوران إلا بعد توقيع الرقيب الذى يقرأ كل شىء، وكل سطر مرتين: الأولى على «السلخ» والثانية على بروفات الصفحات.. فإن رئيس التحرير كان يقرأ كل شىء بكل دقة.. خوفاً على مقعده.. فكانت رقابته أشد قسوة من رقابة الرقيب!!

ولكن هل الجو الإعلامى «الآن» مشابه لما عشناه أيام عبدالناصر، وهل يلجأ الرئيس السيسى إلى نفس الأسلوب ويفرض الرقابة أو حتى التأميم على الإعلام الحالى.. خصوصاً بعد أن وجه الرئيس السيسى «اللوم» لهذا الإعلام عندما قال إنه يشكو الإعلام للشعب؟!

الظروف ليست هى نفس الظروف.. وكذلك الحياة السياسية.. ولكن تبقى القضية: الحاكم وحرية الرأى، أو السلطان وحرية الإعلام.. تلك هى حكايتنا التى نبدأها اليوم.. هنا.. إيه رأيكم؟!