خطورة التصريح الإثيوبى

عبد الناصر سلامة الإثنين 23-11-2015 21:37

ركزت وكالات الأنباء، أمس الأول، على الجزء الخاص بـ(مصر الضعيفة)، فى تصريح وزير الخارجية الإثيوبى، تيدروس أدهانوم، الذى قال فيه: إن مصر أضعف من أن تدخل فى حرب مع إثيوبيا، وذلك لأن صراعاتها الداخلية، وفقرها الاقتصادى، والإرهاب فى سيناء، هى أولويات حروبها- على حد قول الرجل.

ما أجده أكثر أهمية وخطورة فى التصريح، هو قوله: إن الجانب المصرى يعلم تماماً أنه وافق على كافة الاتفاقيات الخاصة بسد النهضة، لكنه يظهر عكس ذلك لوسائل الإعلام الخاصة بالمصريين- على حد قوله أيضاً.

جاءت هذه التصريحات رداً على أخرى أدلى بها وزير الخارجية سامح شكرى، نشرتها صحيفة أديس أدماس الإثيوبية، الناطقة باللغة الأمهرية، قال فيها: إن وجود حالة من التوتر بين الجانبين المصرى والإثيوبى بشأن سد النهضة، لن تفيد الطرفين فى شىء، وستؤدى إلى جمود العلاقات كما كانت عليه من قبل، وإن مصر لديها أوراق ضغط يمكن استخدامها ضد حكومة أديس أبابا، وستكون هناك وقفة لتحليل الأمور من الناحيتين السياسية والفنية.

التصريح الإثيوبى، رغم صغر حجمه، وضآلة عدد كلماته، إلا أنه جاء مُركزاً ودقيقاً من عدة وجوه، أهمها: أنهم قد درسوا جيداً توقيت الإعلان والبدء فى تنفيذ السد، وبالتالى فلديهم يقين أن الأوضاع فى مصر مهترئة إلى الحد الذى لا يسمح بفتح جبهة حرب جديدة، وذلك لأن هناك ثلاث جبهات مفتوحة بالفعل، وهى الصراعات الداخلية، والأزمة الاقتصادية، والإرهاب فى سيناء، حسبما عددها الوزير أدهانوم، على التوالى.

وقد يكشف هذا التصريح، أنه لولا أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، وظروف الضعف التى مرت بها مصر فى أعقاب ذلك التاريخ، على كل المستويات، ما كانت إثيوبيا قد أقدمت على أى ممارسات من هذا القبيل، ففى عهد الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن ممكناً مجرد التفكير فى مثل هذا الأمر، خاصة فى ظل الاتفاقيات الحاكمة لتقسيم مياه النهر بالفعل، وفى عهد الرئيس السادات لم يكن يمكن الإقدام على التخطيط له، حيث كان الموقف المصرى حاسماً، كما فى عهد الرئيس مبارك، على اتساعه، لم يكن ممكناً التنفيذ أبداً، باعتراف الإثيوبيين، بل ثبت أن اسم الوزير عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة آنذاك، كان يمثل أزمة للجانب الإثيوبى.

إلا أنه بدا واضحاً أن المخطط كان موجوداً طوال الوقت، فى انتظار الفرصة التى حانت مع الغياب الأمنى، والدبلوماسى، والرئاسى، ولا نريد أن نقول العسكرى فى ذلك الحين، وربما ذلك يفسر دعوات البعض طوال الوقت إلى أهمية عدم انشغال القوات المسلحة، فى أى بل كان، بالشأن المدنى، أو الداخلى، على حساب مهامها الأساسية، المتعلقة بالأمن القومى، وحماية الحدود.

الجانب الآخر من التصريح، يجب أن نتوقف أمامه طويلاً، والخاص بأن الجانب المصرى، يعلم تماماً أنه وافق على كافة الاتفاقيات الخاصة بإنشاء السد، وأنه يظهر عكس ذلك لوسائل الإعلام المصرية، حيث يجب الرد وبأقصى سرعة على مثل هذا الكلام، الذى من شأنه إحداث بلبلة فى أوساط الرأى العام، وذلك بتوضيح ما تم التوقيع عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى شرح كل جوانب الغموض المتعلقة بهذه القضية، ومدى الضرر الواقع على المواطن، خاصة ما يتعلق بالتعامل المستقبلى مع القضية ككل.

فلا يمكن بأى حال تجاهل كل هذه التحذيرات من بناء السد، والتى أطلقها متخصصون، على قدر كبير من الفهم لأبعاد مثل هذه الإنشاءات، وفى الوقت نفسه، لا نستطيع التصديق بأن المفاوض المصرى، قد وافق يوماً ما، على ما من شأنه الإضرار ببلاده، إن آنياً، أو مستقبلاً، إن بالجيل الحالى، أو بالأجيال المقبلة، إلا أن ما يثير القلق، أو ما يجعل من حق البعض طرح مزيد من التساؤلات، هو أننا قد وقعنا على اتفاقية تمنح الجانب الآخر الحق فى إنشاء السد، ثم بدأنا فى التفاوض، وهذا ما كشف عنه بوضوح الوزير الإثيوبى!.

على ماذا نتفاوض إذن؟ هذا هو السؤال الأهم.

abdelnasser517@gmail.com