المصريون لا يعبدون أشخاصاً!!

علاء الغطريفي الأحد 22-11-2015 21:04

دائما نبحث عن العلة لعلنا نكتشف شيئا ندفعه إلى الواقع لتفسير ما آلت إليه أمورنا، فنحن نهتم كثيرا بقشرة الحضارة لكن الروح جاهلية، وفى صفحات التاريخ هناك لمحات عن وعى استثنائى أصاب هذه الأمة لكنه سرعان ما ينقطع، التلقائية جعلته لا يدوم طويلا، فهبة هنا أو انتفاضة هناك، يمر عليها الزمان وشياطينه فتجرى فى النهر مياه غير العدالة والمساواة والحرية، بل بالعكس تزداد وطأة الواقع وحدة الفقر وسيادة الجهل ونغمات المكارثية وتوزيع صكوك الوطنية وعلو المرتزقة وانحسار الأمل وغيبة الثقة.

فى كتابه «النهضة والسقوط فى الفكر المصرى الحديث» طبعة 1992، يشخص د. غالى شكرى، قبل أكثر من عقدين، حالنا وكأننا لم نراوح المكان أو الزمان فيقول: المركزية الثابتة على مدى السنين قد أثمرت حقا قيام الدولة منذ أمد بعيد، وهو دليل التمدن و«النظام»، ولكنها أيضا كرست القهر والبيروقراطية جنبا إلى جنب.. إن ظهور مؤسسة المؤسسات منذ فجر التاريخ المصرى هو تعبير مزدوج الدلالة على تقدم المجتمع المصرى والعبودية الاجتماعية فى وقت واحد.

وأيضا لم يكن الشريط الأخضر الممتد على نهر النيل دليل خصوبة فحسب، بل أيضا كان نموذجا يحكى عن الفقر والحاجة والظلم، ولم تكن تلك الصحارى الممتدة شرقا وغربا جسرا لأفريقيا وآسيا، بل كادت تكون سياجات غير مرئية أوحت للكثيرين بمزيد من القوقعة التى تصل أحيانا إلى نقيض الغاية التاريخية كحرب مصر وليبيا عام 1977.

النتيجة كانت التخلف الحضارى المروع والتقاليد غير الديمقراطية فى أسلوب الحكم، وقد انعكس التخلف والديكتاتورية على التكوين الاجتماعى للمصريين بمختلف طبقاتهم حتى إن الثقافة فى أغلب العهود كانت طموحا وحلما وانعكاسا لتأثيرات وقتية واستشرافات خارجية أكثر منها انعكاسا موضوعيا أمينا للواقع.

الهبوط المدمر لمستوى الوعى يؤدى حتما إلى القناعة الأدبية بما هو قائم والاستسلام غير المشروط لما هو مقرر، لذلك تدخل قضية الأمية - الأمية فى رأى كاتب السطور هنا لا تتعلق بالقراءة والكتابة بل أمية الأرواح - من أوسع الأبواب إلى صلب قضية الديمقراطية وقضية العدل الاجتماعى.

وهنا يبدأ التراث الشعبى طويل العمر فى إمداد الجهل وشحن غيبة الوعى بالمأثورات الوجدانية والجاهزة التى تبرر الصبر على الحال والرضا به وأحيانا الفرح لما يمكن الحصول عليه من مكافآت فى العالم الآخر.

فى عام 2015 يرغبون فى أن يفكر الناس بشكل بدائى ويتعاملون بسذاجة مع فكرة الوطنية، يريدون وطنية بدائية تعنى قبول الأمور كما هى دون وعى من عقل أو حتى احترام لإنسانية، فقط بصمة تنال بها صك الوطنية مثل قوائم الأغانى لابن اليزل الأصفهانى، يلعنون الغرب وفى نفس الوقت يطلبون نجدته، يصرخون بأعلى صوت عن السيادة ويصمتون إذا مست، يخلطون بين الخاص والعام وكأن هذا الشعب غنيمة أو غنم، يدفنون رؤوسهم فى الرمال رغم أن الجميع يمدون أياديهم لمصر لتنفض عن نفسها تراب واقع وتطاول بأقدامها لترى نافذة المستقبل، الحجرة ضاقت والنفوس امتلأت بسالب المشاعر وبصيص الأمل يدفعها للحياة والعمل والاستمرار، الأمل فى أناس جدد وطريقة جديدة فى التفكير وإدارة الأمور، فالطريقة لم تعد الطريقة المثلى، وتغييرها واجب مثلما يؤكد الواقع وتكشف الأزمات حتى لا يفوت الأوان، لابد للتفكير أن يخرج من دائرته المغلقة وتزول أسباب التمسك بالإنكار وتتفاعل المؤسسات مع حقيقة الأوضاع ليس بمنطق «غرق الإسكندرية»، ولكن بمنطق البناء للغد، فالتعامل مع العرض مرض وهروب أيضا، لا تهربوا من الواقع بالكلام الساكت واقتفوا الصدق وافتحوا الأبواب للأفكار من الجميع دون تصنيف أو وشاية.. المصريون لا يعبدون أشخاصا بل يعبدون الله ومن بعده يؤمنون بالوطن!!