فارق كبير بين حال مدينة «شرم الشيخ»، قبل 31 أكتوبر، وقت حادث تحطم الطائرة الروسية، وما بعده، حيث طالبت بعض الدول رعاياها بالتوجه إلى بلادهم، ودول أخرى قررت تعليق رحلاتها إلى مدينة السلام، فما كان من بعض أصحاب المحال إلا إغلاقها والعودة إلى محافظتهم، فيما أصر البعض على الاستمرار، معلنين تحدى الظروف الصعبة التى يعيشونها.
«شرم الشيخ»- التى شهدت 3 تفجيرات هزت منطقة خليج نعمة وفندق غزالة وموقف السيارات بالسوق القديمة فى 23 يوليو 2005، والتى نفذتها مجموعة تعتنق فكر تنظيم القاعدة الإرهابى، وراح ضحيتها 88 من السياح، وأُصيب فيها 200 آخرون- استطاعت أن تهزم الإرهاب وعادت السياحة الى طبيعتها هناك فى فترة قصيرة، حتى جاء حادث الطائرة الروسية الذى جعل المتضررين يتوقعون أن تحتاج المدينة وقتا أطول، حتى تعود إلى سابق عهدها.
«المصرى اليوم» تفقدت الأماكن الثلاثة، التى وقعت فيها تفجيرات 2005 ومنطقة الممشى، بعد إعلان روسيا أن سقوط الطائرة كان بسبب عمل إرهابى، رغم أن السلطات المصرية لم تعلن عن نتائج التحقيقات النهائية فى الحادث.
المكان الأول: منطقة «خليج نعمة»: المحال شبه مغلقة، الكافتيريات تبحث عن زائرين من أى جنسية، يتندر أصحابها على الماضى، ويقولون إن أيام تفجيرات 2005 لم تتأثر السياحة إلا فترة محدودة للغاية، وعادت إلى طبيعتها بسرعة.
وأضافوا: «منظر الدماء كان صعبا ومؤلما، لكن كل السياح تجمعوا، ومنهم السياح الروس، وصوروا الجثث بدمائها، ولم يغادروا كما فعلوا عقب سقوط الطائرة الروسية.. أما الآن فالمكان به عدد محدود من السائحين من الجنسيات العربية، وسط إجراءات أمنية مشددة من رجال شرطة السياحة».
المكان الثانى: «فندق غزالة»، الذى ترتكز قوات الأمن بالقرب من مدخله، دون أى دليل على وجود سياح أو زائرين بداخله، سألنا العاملين به، فقالوا: «أغلقنا علشان مفيش جست (نزلاء).. بعضهم غادر كما فعل السياح، والآخرون افترشوا الجزيرة الوسطى أمام الفندق، عقب إعلان روسيا عن نتائج التحقيقات».
المكان الثالث: موقف السيارات بالسوق القديمة، حاله لا يختلف كثيرا عن سابقيه، أصحاب المحال يشكون ما وصلت إليه الأوضاع فى مدينة السلام، عقب حادث الطائرة الروسية، ولسان حالهم يقول: «لعنة الله على الإرهاب».
يناشد أصحاب ومستأجرو المحال والكافتيريات الحكومة النظر إلى حالهم بعين الرأفة، حيث يعانون من حالة ركود غير مسبوقة، ويقول رضا يوسف، صاحب محل، إن الحكومة المصرية تتخاذل لصالح الأتراك، حيث توجد شركات تركية فى شرم الشيخ تأخذ سائحى الترانزيت إلى تركيا، ولا تستفيد مصر سوى بنسبة 25% فقط منهم.
وأضاف: «توجد شركات سياحية ترسل آلاف السائحين إلى إسرائيل عن طريق مرشد سياحى مصرى، تنتهى مهمته فى القدس، ثم يصطحبهم مرشد إسرائيلى يشرح لهم معالم إسرائيل وأهميتها، كما توجد شركات سياحية فى شرم الشيخ لا يعمل بها سوى الأتراك، ولا يوجد بها عامل مصرى واحد، وهذه الشركات مهمتها إقناع السائح بتركيا ومعالمها، وليس مصر وما فيها من معالم سياحية».
ويوضح على محمد أحمد، مؤجر محل، أنه وعددا من المؤجرين طالبوا الملاك بدفع 25% فقط من قيمة الإيجارات، لأن المبيعات «صفر»، لكن الملاك رفضوا، وتمسكوا بدفع الإيجار كاملا، مناشدا الحكومة تعديل نظام الإيجارات وسن قانون ترتبط فيه القيمة الإيجارية بنسبة المبيعات.
وتابع: «رجال الأعمال نهبوا البلد وأخذوا الأراضى وبنوا عليها قرى سياحية، وأخذوا هذه المحال منذ سنوات بنظام حق الانتفاع، ويدفعون للحى أو المحافظة ألف جنيه شهريا، ويأخذون منا كمستأجرين 52 ألف جنيه، دون مراعاة لحال السياحة».
ويقول صاحب محل آخر يُدعى «محمد»: «أنا بادفع 45 ألف جنيه إيجارا شهريا، ويعمل لدىَّ فى المحل 13 عاملا، أقل راتب 3 آلاف جنيه، ولا أجد منهم ألف جنيه الآن، وهذا يعنى أننى خلال شهرين سأكون مطالبا ببيع منزلى لسداد الالتزامات، وهناك كثيرون مثلى اضطروا لبيع شققهم ومصوغات زوجاتهم لسداد الإيجارات».
ويضيف: «كنت أمتلك كافيه، واضطررت لبيعه حتى أؤجر المحل، الذى جعلنى صاحبه أوقع على إيصالات أمانة قيمتها 2 مليون جنيه، ليضمن سداد الإيجار، وكان معى شريك توفى وترك صغاره تحت رعايتى، فطالبت صاحب المحل بتقليل الإيجار إلى 20 ألفا، فرفض وقال لى بالحرف: (إحنا لو فى حرب هاخد الـ50 ألف جنيه)!».
ووجه سيد عبدالشافى، بائع بمحل ملابس، حديثه للمسؤولين والحكومة، قائلا: «نحن لسنا فى حاجة لاحتفالات وشموع كى نعبر عن حزننا على ضحايا الطائرة، لأن هذه الاحتفالات أيا كان نوعها تغير نظرة الناس إلينا، وتجعلهم يشعرون بأننا غير مهتمين بما حدث»، ومؤكدا أنه طوال 5 أيام بعد الحادث، لم يَبِع بـ100 جنيه، وهذا سيجعل البائعين يغادرون (شرم) مثل السائحين. واقترح بعض أصحاب المحال على الحكومة إقامة نصب تذكارى فى قلب خليج نعمة، وتدون عليه أسماء ضحايا الطائرة الروسية المنكوبة، مؤكدين أن هذا النُصب سيكون مزارا لجميع الروس، بدلا من إقامة المؤتمرات والندوات التى لن تفيد فى إعادة السائحين الأجانب للمدينة.