من صنع داعش؟

أيمن الجندي الإثنين 16-11-2015 20:57

من ابتذال القول تفسير «داعش» بأنه مجرد صناعة أمريكية. والحقيقة أن عوامل كثيرة معقدة ومتشابكة أفضت إلى الوضع القائم حاليا، والمرشح للتكرار فى مستقبل الأيام حتى لو تم القضاء عليه اليوم بالقوة العسكرية.

العوامل المعقدة المتشابكة تشمل أشياء شتى، منها آراء الفقهاء المتشددة التى تسربت إلينا عبر التاريخ، ووقائع فى الحروب الإسلامية تم استنساخها دون مراعاة لزمنها وبيئتها. وهناك أيضا ظلم حكام الدول الإسلامية واستبدادهم بالسلطة والثروات، وجسامة الظلم الاجتماعى الواقع على المستضعفين وانعدام الأمل فى مستقبل أفضل. ومنها تعطيل الحدود وانعدام الثقة فى المؤسسات الدينية. ومنها التاريخ المخزى للدول الاستعمارية الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، وقتلهم ملايين المسلمين. ومنها نزوع نفسى للعنف، يجد مخرجا من خلال الجهاد. ومنها تجار السلاح المستعدين لبيع الموت مقابل المال.

فإذا أضفنا لذلك استخدام الدول الاستعمارية هؤلاء المتطرفين لتحقيق مكاسب مرحلية أدركنا بجلاء من صنع داعش.

كانت هذه هى ملخص النشرة وإليكم الأنباء بالتفصيل:

■ ■ ■

آراء الفقهاء المتشددة: نخدع أنفسنا لو أنكرنا وقائع عنف فى حروب الإسلام، أو فى نصوص ظاهرها يجعلنا فى حرب مع المشركين. وبدلا من أن توضع هذه الوقائع فى سياقها البيئى والزمنى- إذ ماذا تتوقع من الالتحام بالسيوف إلا قطع الرقاب وهى عدة الحرب فى هذه الزمان- فقد تم استنساخ الماضى والذبح لبث الرعب. كما أن نصوص الحرب جاءت فى سياق مرحلة تاريخية تم فيها محاربة الإسلام بلا هوادة وغزو المسلمين فى دار الهجرة ومحاولة استئصالهم وتأليب القبائل عليهم، فما الذى تتوقعه فى المقابل، غير أن تأتى النصوص بقتال المشركين كافة كما قاتلونا كافة.

المشكلة حدثت عندما قرر بعض الفقهاء أن (العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب) ما أدى إلى اعتبار العنف حقا شرعيا. وقد كان منوطا بالفقهاء الربانيين أن يوضحوا لنا «نظرية الحرب فى الإسلام» كما فعل الإمام محمد أبوزهرة. لكن المشكلة أن السلطة قصيرة النظر بطبيعتها تريد أن تدجن المؤسسات الدينية وتنزع هيبتها فتحولها إلى مسخ (فقهاء السلطان). وظيفتهم الوحيدة هى التأييد وتطويع النصوص لخدمة الحاكم. ناسين أن عواقب هذا فادحة، وهى انعدام الثقة فيها ولجوء العامة إلى الفقهاء المتشددين يختارون لهم أضيق التفسيرات التى تجعلنا فى صدام مع العالم.

فإذا أضفنا لذلك الظلم الاجتماعى واستئثار الحكام بالنفوذ والثروات وانعدام الأمل فى مستقبل أفضل، فلم يبق أمامهم سوى موت مشرف. ولقد حفظ لنا التاريخ الإسلامى أن أول ظهور للخوارج حدث بعد الظلم الاجتماعى فى نهاية عصر سيدنا عثمان- رضى الله عنه- وتفاقم فى الدولة الأموية نتيجة سخطهم على استثار قريش بالمغانم. فحيثما كان العدل الاجتماعى كان الرضا وقبول الآخر.

■ ■ ■

تاريخ الدول الاستعمارية المخزى، التى أبادت ملايين المسلمين ولّد ثأرًا لا يُنسى. وقد كان منطق داعش أنهم يقتلوننا، فلماذا لا نقتلهم؟ لكن المدهش أن نفس هذه الدول تستخدم هذه الجماعات التكفيرية مرحليا، فى حروبها المخابراتية مع الأعداء والحلفاء. ثم ينقلب الوبال عليها فى كل مرة. وبالطبع تجار السلاح على استعداد لتقديم تجارة الموت لمن يدفع الثمن.

ويبقى أن أشير إلى نزوع نفسى للتكفيريين إلى العنف، وهو عنف يجد مخرجا أخلاقيا بفكرة أنهم يجاهدون فى سبيل الله. فتجدهم يتلذذون بالقتل والسبى وقطع الرقاب. وكل ذلك للأسف باسم الإسلام، والإسلام برىء منهم.

elguindy62@hotmail.com