سفينة الحمقى.. تشترى جهلًا!!

علاء الغطريفي الأحد 15-11-2015 21:19

وكأنها «سفينة الحمقى» التى قال عنها الفرنسى ميشيل فوكو، فما نتداوله دون إمعان لعقل أو إفساح مجال لإدراك أو تحليل بأناة ليس إلا بحثاً عن العقول فى سفينة للأسف أبحرت بالحمقى لتعزلهم عن الواقع، قد تقرأ «فوكو» اليوم ليحدثك عن الحمقى والمجانين فى بحثه العميق عن «الجنون» لكن واقعنا أفرز أسوأ من هؤلاء.

يحاول البعض قراءة ما حدث فى فرنسا فيأخذه مآخذ أخرى لم يفكر للحظة فى سؤال نفسه: هل أنت أو أنا أو نحن سندفع ثمناً لما حدث؟ وهل هذه الهجمات سنتأثر بها مستقبلا؟ وما هى الأهمية التى يجب أن نتحراها رغم أننا نسمع يوميا عن قتلى من المحيط إلى الخليج ضحايا لجنون داعش؟

يا من يعيش فى برج جهله بالتأكيد ستستريح لرؤية متطرفة أو شماتة مخلة، ولكنك لابد أن تبحث عن تفاصيل الصورة لتفسر شيئا فى عالم ملأناه ضجيجا بدون أى طحن، نهتم فيه بالقشور ونكره فيه التفكير لأنه مجهد فى حين أنه من السهل عليك أن تشترى جهلا من على أى ناصية فضائية «الصدأ وشقيقاتها»، سنذكر فى نقاط ما يمكن قراءته ويرسم تصورا لرواية لم يكن يتخيلها كل من كتبوا عن الصراع بل وأكثر المتشائمين الغارقين فى هواجس تتعلق بالآخر مع إنكار كل ما يمس الذات من ضعف وانحطاط، ولهذا ولذاك فلنقرأ الآتى:

- الرئيس الفرنسى وصف الهجمات بأنها «عمل من أعمال الحرب» نظمه من الخارج بمساعدة من الداخل، وقال هولاند: «ما ندافع عنه هو وطننا، لكن الأمر يتخطى ذلك بكثير، إنها قيم الإنسانية»، وأكد أن: «فرنسا لن ترحم».

- رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس يعلن أن فرنسا فى حالة حرب وأنها ستضرب عدوها فى فرنسا وأوروبا وسوريا والعراق. وقال: الرد الفرنسى سيكون «بالمستوى نفسه لهذا الهجوم».

- وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» تعلن أنها قتلت العراقى أبونبيل المعروف أيضا بـ«وسام الزبيدى»، زعيم تنظيم «داعش» فى ليبيا، قبل ساعات من هجمات باريس فى غارة تعتبر الأولى التى تستهدف أحد قادة داعش فى ليبيا.

- وزير الخارجية الأمريكى قال فى تصريحات فى سبتمبر الماضى إن دولاً فى المنطقة سترسل فى الوقت المناسب قوات برية إلى سوريا لقتال «داعش».

- قررت فرنسا قبل أيام من الهجمات فرض رقابة على حدودها طيلة شهر، خلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ الذى ستحتضنه العاصمة الفرنسية من 30 نوفمبر حتى 11 ديسمبر.

- باريس إحدى دول التحالف الدولى لضرب داعش فى سوريا والعراق.

- فرنسا هى أكثر دولة أوروبية باعت سلاحا لمنطقة الشرق الأوسط خلال العام الجارى.

ما سبق معطيات لتحديد ملامح الرد الفرنسى فى المنطقة بعد هجمات باريس، ففرنسا التى تعتبر سوريا وشمال أفريقيا مناطق نفوذ تاريخية لها ستفعل ما تراه وفق الترتيب الغربى حسب أجندة المصالح التى تحرك قواه، التاريخ يعكس كثيرا عما يراد للمنطقة، مقولة 11 سبتمبر جديدة بدأت فى السريان على أسئلة المراقبين الغربيين، وسيادة الدول أصبحت نسياً منسياً، المنطقة صراع جديد بين الروس والولايات المتحدة وذيولها الأوروبية، وأزمة الطائرة الروسية ماثلة والإجراءات والتداعيات تقول إننا سنكون فى قلب أى تدخلات مستقبلية حتى ولو بدأت بعيدا عن حدودنا، فهى ستأتى إلينا رغما عن أنفنا، نشتم رائحة الاستهداف لكن نلجأ للولولة والقراءة السطحية والتأييد الأعمى والمقارنات المبتذلة، الفرنسيون على لسان «فالس» سيغزون سوريا والعراق للثأر من «داعش»، والتضامن القادم عبر الأطلنطى وحلف الناتو يتحدث عن دعم ومساندة لا حدود لهما، الأمر أعظم مما نتصور وأوقع من تكرار حديث بأننا قد حذرنا من الإرهاب دوما وأبدا، سنكون جزءا أو هدفا من لعبة الانتقام، والسيناريوهات مفتوحة واسأل عن المناطق الرخوة والحدود خير مثال، لا نستبعد أى شىء والأمم المحترمة تضع دائما أسوأ السيناريوهات حتى لا تفاجأ بما لم تتحسب له فما يتم الترويج له هو حرب لحماية القيم الغربية، وتلك الحرب ليست صدفة بل اصطنعتها الظروف التى خلقها الآخر وخلقناها نحن بالجهل والاستبداد وغياب العدل والمساواة، لقد ساعدناهم بطريقة أو بأخرى، فى حين نبدو كمن يهرب من الواقع مثلما فعل «القس» فى إحدى روايات أورويل، فقد تجاهل جميع الحقائق المكدرة كتراكم الديون وتطور العصر والعلم ونسيان التاريخ ففقد أعز ما يملك «ابنته»..!