السيد رئيس مجلس الوزراء
تحية واحتراماً وبعد،
الموضوع: أغلقوا «المصرى اليوم» واطردوا المستثمرين من مصر:
تابعت شأنى شأن كل المصريين وقائع القبض على مؤسس جريدة «المصرى اليوم» المهندس/ صلاح دياب ونجله توفيق دياب. وقد بدأت تداعيات الأحداث بصدور قرار من النائب العام بالتحفظ على أموال صلاح دياب وأبنائه وشركائه وآخرين بشأن مشروع «نيو جيزة» بالطريق الصحراوى القاهرة- الإسكندرية. ولاشك أن التحفظ يدخل ضمن صلاحيات النيابة العامة فى اتخاذ ما تراه من تدابير احترازية تحت رقابة القضاء، وهو أمر لا يخص السلطة التنفيذية. ولكن لاشك أن اتخاذ مثل هذا الإجراء بشأن بلاغ مقدم منذ أربع سنوات، ودون استدعاء المتهمين أو سماع أقوالهم أمام النيابة، وقبل صدور أو الإفصاح عن تقرير الخبراء، ومواجهة المتهمين بشأن هذا التقرير، وقبل توجيه أى اتهامات أمر نادر الحدوث وغير متكرر، ويثير التساؤل!! ومع ذلك يظل الأمر يخضع للسلطة التقديرية للنيابة العامة.
وأعقب ذلك فى اليوم التالى لقرار التحفظ قرار آخر بالقبض على صلاح دياب ونجله توفيق دياب على سند من القول بأن هناك بلاغاً ضدهما بحيازة أسلحة فى منزليهما، وأن هذه الأسلحة دون ترخيص. فقامت قوات الأمن بالإنزال البرى والنهرى على فيلا صلاح دياب فى عز الفجر، وأعادوا أيام الدولة البوليسية بكل جبروتها، واقتحموا حرمة المنازل وكأنهم يقتحمون وكر أعتى المجرمين والإرهابيين فى العالم!! ولم يكن ينقص المنظر سوى الإنزال الجوى على سطح الفيلا... ودخل الملثمون المنزل واقتحموا غرف النوم، وقاموا بقطع التيار الكهربائى عن الفيلا لمدة 15 دقيقة!! وبعد القبض على صلاح دياب تم غلّ يديه بالأساور الحديدية- يبدو خشية الهروب أو العنف من قِبَله!! خاصة أنه أجرى عمليتى قلب مفتوح وعملية غضروف ويبلغ من العمر سبعين سنة!! ولم يتم الاكتفاء بالتكبيل بل تم التجريس والامتهان بتصويره من أحد أعضاء الحملة وإرسال الصور إلى الصحف والمواقع الإخبارية.
وبعد القبض على صلاح دياب ونجله تم حبسهما 4 أيام على ذمة التحقيق، ثم تجديد الحبس 15 يوماً. وعلى الرغم من أنه جرى العرف فى هذه القضايا أن يتم الإفراج عن المتهمين بكفالة لحين ورود تقارير البحث الجنائى إلا أن الأمر يخضع لتقدير النيابة العامة والقضاء.
سيدى رئيس الوزراء.. أياً كان صاحب قرار الإخراج بهذا الشكل، وأياً كانت دوافعه، فهو قد أصاب هذا البلد برصاصة قاتلة، ويجب فتح تحقيق موسع فى هذا الشأن، لأن المسؤولين عن تنفيذ الإجراءات على هذا النحو، أياً كانت دوافعهم الوطنية، قد أضرّوا بمصر فى وقت قاتل، وأعادوا القلق والخوف للمصريين جميعاً على أمانهم وأرواحهم وأعادوا ذكريات زوار الفجر.. فإذا كان الدافع من اتخاذ هذه الإجراءات بهذا الشكل هو إخافة وترهيب أصحاب الرأى وكسر الأقلام، فقد فشلوا فشلاً ذريعاً لأن الترهيب والإذلال لم يعد مقبولاً من الرأى العام المصرى، وأتى بنتائج عكسية لا تخفى على أحد.
إن ما حدث فى الأيام الأخيرة أدى إلى تشويه مصر، وقدّم على طبق من ذهب- إلى كل المتربصين بمصر شراً- مادة دسمة للإساءة إليها والتشهير بها، ومحاولة زعزعة استقرارها.. لا أعرف كيف يفكر هؤلاء!! وهل هم فعلاً يعيشون معنا فى هذا العالم أم أنهم منغلقون على عالمهم وفى كهوفهم؟!! إن ما فعلوه أكبر دليل على أن بعض الجهات والأجهزة الحكومية لا تريد أن تسمع سوى صوت واحد واتجاه واحد، وتريد أن تئد كل رأى حر، على الرغم من أن هذه الآراء الحرة هى التى تبنى وهى التى تريد الخير لمصر.
سيدى رئيس الوزراء، إن الطريقة التى تم التنكيل بمقتضاها بمؤسس «المصرى اليوم» ونجله تعنى أن البعض لايزالون يفكرون بنفس أدوات عصور الظلام والعصور الوسطى، ولا يعلمون شيئاً عن العالم المعاصر.. ألا يعلم من قام بالتصوير أن هذه الصورة نُشرت فى كل صحف العالم تحت عنوان «إهدار الحريات والكرامة فى مصر»؟!!.. لا تجعل طيور الظلام تسيطر على مقدرات مصر، وتعود بها إلى الوراء.
سيدى رئيس الوزراء، أقسم بالله أن ما حدث أسوأ وأكثر ضرراً على الاقتصاد المصرى، ونمو الاستثمار، من أحداث طائرة شرم الشيخ.. لقد خسرت البورصة فى ثلاثة أيام أكثر من واحد وعشرين مليار جنيه مصرى من رأسمالها السوقى كرد فعل مباشر على ما حدث.. إن قرارات التنكيل بالمستثمرين رسالة سوداء تعود بنا إلى الوراء. وأخشى ما أخشاه أن يتبرع أحد العباقرة فيقول للمهندس/ صلاح دياب (ادفعلك مليار للمحافظة ونقفل القضية، وانت الكسبان، وبلاش بهدلة ليك انت وابنك). يجب أن ترسل رسائل قوية، وأن ترفع صوتك: «المتهم برىء حتى تثبت إدانته» هذه أبسط رسالة، لا حبس ولا تصوير ولا تنكيل ولا تحقير، ولا تهديد لمجرد وجود ادعاءات لم تثبت صحتها، لا إعلان عن جرائم فساد دون أحكام قضائية قاطعة وباتة، لا تشويه ولا تجريم بشأن خلافات تعاقدية أو تفسير للعقود، لا مساومة ولا تهديد لإجبار شخص على سداد أى مبالغ.. من أخطأ ولم يسدد حق الدولة فلتتم إحالته إلى المحاكم الجنائية صاحبة الاختصاص. إن المحللين الفنيين يجزمون بأن تناول الواقعة بهذا الشكل سيؤدى إلى هبوط سوق المال بما لا يقل عن 15%.
سيدى رئيس الوزراء.. الاستثمار المباشر سيتأثر سلباً بهذه الواقعة لأننا أرسلنا تحذيراً شديد اللهجة لكل من يستثمر فى مصر، لن يأتى أجنبى واحد ونحن ننكل بالمستثمرين المصريين ونشوههم واحداً تلو الآخر. يؤسفنى أن أبلغك بأن هناك شركات عالمية بالأمس ألغت قرارات للاستثمار فى مصر فى ضوء ما حدث.. هذه معلومة مؤكدة.
لا تتصور للحظة أن الهبَّة والانزعاج الذى أصاب اتحاد الصناعات والغرف التجارية من أجل شخص بعينه، بل هو ذعر على مصر ومستقبل التنمية فيها.. سيدى رئيس الوزراء يجب أن تكون لك وقفة.. يجب أن تجهر برأيك.. يجب أن تواجه وتحارب كل من يحاول إركاع مصر سواء عن قصد، كما هو الحال بالنسبة لأساطين العصور الوسطى وعصور الظلام من تجار الدين، أو بدون قصد، كما هو الحال بالنسبة لبعض ممثلى السلطة التنفيذية ومأمورى الضبطية القضائية.. إن سلوك هؤلاء يضر ويؤذى كل مصرى. وإن لم تستطع المواجهة- وأنا على يقين أنك قادر- فلتأمر بإغلاق «المصرى اليوم»، وطرد كل المستثمرين من مصر.
ارحموا مصر يرحمكم الله.
* نقلاً عن جريدة «الأخبار»