سيظل جرح القضية الفلسطينية مفتوحا، لا تعافيه الأجوبة المبتورة في حظيرة السياسة المتواطئة.. المهادنة والمراوغة، «إسرائيل وشعبها أمانة في أعناقنا»، هكذا سيظل أمن إسرائيل رسالة مقدسة تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها، تعكف على تطوير مفرداتها حسب الضرورة، تناصب العداء كل من يتجرأ على انتقادها، تستر عوراتها وتبرر جرائمها دون كلل، تذوذ عنها أنياب المتربصين الكاشفين لفاشيتها، لكل فضيحة أو انتهاك لدى إسرائيل، أجوبة جاهزة لدى أمريكا، فلماذا إذن تقلق إسرائيل ولديها كل هذا الدلال والتأييد؟!
هل لا سمح الله يقلقها صورتها أمام الرأى العام العالمى وأحد أجهزتها المخابراتية تحقق بأبشع الوسائل مع الطفل الشهير «أحمد مناصرة» ذى الـ13 عاما لانتزاع اعترافات منه بالقوة؟ بعد تسريب فيديو يظهر المحقق الإسرائيلى وهو يصرخ بأعلى صوته في «مناصرة» كى يعترف بأنه شارك في طعن إسرائيليين، ويستجيب الطفل الذي يرتدى ملابس السجن باكيًا تحت ضغط المحققين للاعتراف بما يريدون منه رغم ترديده المتكرر أنه لا يتذكر شيئًا وأنه بحاجة إلى طبيب!! مشهد يذكرنا بتقرير منظمة اليونيسيف قبل عامين ونصف أشار حينها إلى وحشية قوات الاحتلال ومعاملتها الفظة والممنهجة ضد الأطفال، ونوه إلى أنه لا يوجد محاكمة للأطفال في المحاكم العسكرية في أي دولة أخرى حيث تسلب حقوقهم، وأن متوسط الأطفال الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل نحو 7% في العام، ومنذ ذلك الحين أضيف مئات الأطفال، وأطفال انتفاضة السكاكين الحاليين ضاعفوا الأعداد.
هل ستقلق إسرائيل ويعتريها الخوف من تشوه صورتها الوديعة وهى تطلق كلابها المسعورة من القوات الخاصة (المستعربين) منذ يومين، يقتحمون مستشفى في الخليل قبيل الفجر ويعدمون الشاب عبدالله شلالدة (26 عاما) بدم بارد بخمس رصاصات اخترقت جسده، وغطت دماءه الغرفة، ثم يعتقلون ابن عمه المصاب المتواجد بنفس الغرفة أمام شقيق المصاب الذي عقدت لسانه الصدمة؟!
هل ستقلق من الإعدامات اليومية للفلسطينيين بحجة طعن مستوطنين وجنود بالسكاكين، في ظل إحجام المجتمع الدولى عن إدانة ممارساتها الوحشية وانتهاكاتها للقوانين الدولية، وبعد ذلك يطل علينا الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، ليؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في المؤتمر الصحفى الذي جمع بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، في زيارة المصالحة الأخيرة للولايات المتحدة قبل أيام؟؟!
ليس هناك أفضل مما قاله مارتن إنديك، السفير الأمريكى الأسبق لدى إسرائيل، والمبعوث الخاص للرئيس أوباما في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حديثه مع صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مخاطبًا الإسرائيليين: «لقد أقنعتم أنفسكم أنكم ضحية، وأنكم يجب أن تظلوا شاهرين حرابكم، ولكن أنتم لم تعودوا ضحية، وقد تمكنتم من بناء دولة رائعة، ولا يجب أن يكون مستقبلكم مبنيًا على الحراب».
لكن يبدو هذا الحديث سخيفًا لمبعوث الرئيس الأمريكى إنديك عندما نجد أن الأخير يشدد على أولوية أمن إسرائيل وضمان تفوقها الدفاعى في ضوء وضع أمنى أكثر ترديًا في الشرق الأوسط أثناء محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، قبل أيام قليلة في واشنطن، لذا فإن هناك احتمالا قويا بمنح إسرائيل طائرات «إف-35» التي لا تمتلكها أي من جيوش المنطقة، وبدلا من الحديث عن مخرج حقيقى لأزمة السلام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتعثرة، فقد تجاهلت المحادثات التطرق إلى خطوات عاجلة لإحياء عملية السلام في ضوء تشاؤم البيت الأبيض حيال هذا الملف العاصف، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وزيادة ضغوط الكونجرس، بل ذهب نتنياهو إلى أكثر من ذلك وتمادى في تصريحاته الاستفزازية، حينما رفض التعليق على سؤال عن القدس التي تعتبر نقطة أساسية في عملية السلام وقال: «أعتقد بأن مسألة القدس وتحديدا جبل الهيكل (الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون على المسجد الأقصى) لا حل لها، وأن الوضع يجب أن يبقى كما هو تحت السيادة الإسرائيلية وإلا أصبح متفجرًا»!! فما الذي يمكن أن يقلق إسرائيل بعد..؟؟