أنا عندى سلاح!

مفيد فوزي الجمعة 13-11-2015 21:14

وقبل أن تتجمع غيوم الظنون فى سمائى وتتقاذفنى الشكوك ومنعاً للالتباس، أبادر وأقول إن سلاحى هو قلمى وهو أقوى من البندقية والفرفر والدبابة. فهو - القلم - يقوض عروشاً ويلغى أنظمة ويلقى بحكام فى السجون، وكان العقاد يقول «قلمى يخيف السراى» إشارة إلى سراى عابدين وساكنها ملك مصر. وقلمى بالنسبة لى ككاتب هو عرضى وونسى وهو ينتشى ويتألق فى عهود الحرية وينكفئ على ذاته ويدخل «جرابه» فى أوقات الاستبداد والتهديد والوعيد. وفى الزمن الشمولى عوقبت بمنعى من الكتابة لمجرد أنى كتبت «إن الديكورات تسيطر على الأنظمة السياسية»، لولا أن أسطى الصحافة المصرية موسى صبرى خشى من إصابة سلاحى «قلمى» بالصدأ، فطلب منى أن أجرى حوارات مع أصدقاء من النجوم وأنشرها بلا توقيع. و.. وكنت فى ألمانيا «ليلة القبض على صلاح دياب» والصورة من بعيد تختلف عنها داخل الوطن، الصورة من بعيد هى صورة «مصر» فى نهاية الأمر، وكمصرى يتحتم علىَّ التفسير والتبرير، وفى مقهى قرب محطة سكة حديد قلب أوروبا فى فرانكفورت أثير الموضوع وتعرضت لأسئلة انطلقت كطلقات الرصاص وترجمها للعربية صديق مصرى مثقف تتلمذ على يد د. فؤاد زكريا، أستاذ الفلسفة، ويقيم فى ألمانيا منذ 30 عاماً.

سأل الشباب الألمانى: هل «الهر» دياب أى الرجل دياب هو زعيم المافيا حتى تذهب قوة مصفحة للقبض عليه؟ هل أمن بلدكم توقع مقاومة من داخل ترسانة أسلحة حين الهجوم فجراً برجال ملثمين؟ هل يؤوى هذا الرجل إرهابيين من الإخوان يختفون عن عيون النظام ويستلزم الأمر هذه «القوة» للتفتيش فى أرجاء البيت؟ هل الرئيس السيسى - بخلفيته المخابراتية - على علم بـ«موقعة منيل شيحة»؟ هل تم الغزو من البر والبحر حتى لا يهرب هذا الداهية؟ وقلت لهم - وكان صديقى المثقف يترجم ما أقول إلى الألمانية - عدة نقاط وهى أن مستر دياب ينحدر من أسرة علم وصحافة، فالجد هو توفيق دياب الكاتب، ومستر دياب مهندس ناجح يكره الفشل وعقل وثّاب ومصرى جداً ومتعدد النشاط وهو مؤسس جريدة مهمة فى مصر وأشارك بالكتابة بمقال أسبوعى فيها.

ويُعد دياب من رجال الأعمال «ذوى التأثير» فى المجتمع و«فاتح بيوت» وإن كانت مقولته التى يرددها «دول همه اللى فاتحين بيتى»، والرجل متزوج من مهندسة فاضلة مشاركة وليست «امرأة خاملة» وأولاده «متعلمين الأدب قبل العلم»، وحياته فى ضوء النهار الباهر ولا يعمل فى الظلام، و«محسود» لأن جريدته قفزت فى التوزيع أرقاماً غير مسبوقة وصارت الصحيفة قرينة فنجان شاى المصريين كل نهار. وقفز سؤال من الألمان، وترجمته: هل عملية القبض على دياب ومعه نجله، «رسالة» لما ينشر من محتوى ضد النظام؟ وهنا قلت: إن رئيسنا حريص على المعارضة وهو مفتوح الذهن والمسام ويحترم الإنسان ويعتز بكل رأى ويقرأ بنفسه ولا تقدم له قصاصات مشفوعة بتقارير مثلما كان يحدث فى زمن عبدالناصر، ورئيسنا يغلب عليه صفة «الآدمية».

لقد زار يوماً فى المستشفى فتاة متحرشاً بها، وعندما يلتقى أمهات الشهداء يقبل رؤوسهن. وقلت: إن فى مصر قضاء منصفاً ورقابة إدارية تتربص للفساد. وقفز سؤال عن الألمان: هل رجال الأعمال فى مصر مستهدفون؟ وإذا كان كذلك فلماذا تتكلمون عن زيادة استثماراتكم معنا حسب اللقاء بين ميركل والسيسى؟ وقلت: لا. قالوا: فسر لنا عملية القبض لحظة الفجر على دياب وابنه، هل يشكلان خلية إرهاب؟ هل لديهما مصنع أسلحة يمولان به أعداء نظام مصر؟ قلت: لا، قالوا: هل القبض المدجج بالسلاح رسالة لرجل الأعمال دياب أم رسالة لمؤسس المصرى اليوم أم إظهار هيبة الأمن المصرى؟ قلت: إن تحقيقات النيابة الجارية ستكشف أى غموض. عادوا يسألون: هل رجال الأعمال يدعمون السيسى بالمال والنفوذ والاتصالات بالعالم؟ قلت: نعم.

سألنى صديقى المصرى المثقف المقيم فى ألمانيا: هل أنت خائف بعد «موقعة منيل شيحة؟». قلت: لا ولكنى متوجس على مصر، وربما أتوجس من الشكل أكثر من المضمون رغم المصطلح الفلسفى «الشكل يقود للمضمون»، قال: ما تفسيرك أنت لهذه الصورة التى أعادت للأذهان أبغض عهود القمع؟ قلت: إنها صورة «أمنية» و«تواجد أمنى» وهناك قضاة وقانون، إن القانون يقول «ضبط وإحضار» باحترام وآدمية وليس بمصفحة وكلبشات وكاميرات للتصوير، إلا إذا كان المتهم هو «الخُط» المجرم الذى أرهب صعيد مصر، هذه «المظاهرة» الأمنية لها سلبياتها دولياً، إن أوروبا تستدعى المتهرب من الضرائب «أشنع الجرائم» فى الغرب بخطاب بريدى مسجل. وقلت: إن صلاح دياب لا يمثل كل هذه الخطورة على الأمن العام ولا يكدر صفو السلم العام.

لقد تعرض يوماً لاعتداء على بيته من جيرانه لسوء فهم وكل الذى فعله أنه ترك البيت وأقام فى فندق حتى تمت الإصلاحات ثم عاد الصفاء بينه وبين جيرانه دون عقد، واختلف بعض العاملين مع صلاح دياب، فأمر إدارته المالية بتعويض مجز وظلوا أصدقاء.

إن النظام فى مصر لم يسجن صحفياً بسبب رأى ما ولا جمدت السلطات قلماً، ولا نقلت كاتباً من جريدته إلى محل باتا للأحذية، وأحاول أن أخمن: من فطن أكثر لموقعة منيل شيحة؟ أصحاب الرأى فى الصحف؟ أم أصحاب التوك شو على الشاشات الخاصة أم رجال أعمال معاهم فلوس وطموحات سياسية بحق أو دون حق؟ وجلست أفكر حينما اختليت بنفسى: هل بيت صلاح دياب يضم سلاحاً دون ترخيص وبقية مصر، خصوصاً صعيدها لا يضم أسلحة بل ترسانات سلاح تستدعى الهجوم براً وبحراً وجواً للقبض عليهم، علماً بأن المقاومة بالسلاح واردة؟

وسؤال بل تساؤل آخر: فى زمن الفوضى والحرب على الإخوان والإرهاب، هل كان الناس يستقبلون التفخيخ والرصاص بالورود والياسمين؟ ألم يكن فى بيوت مصر ملايين من قطع السلاح لحماية أطفالهم من الاختطاف ومعظمها غير مرخص، ألم تطلب الدولة رد الأسلحة على الفور فى حملة غير مسبوقة وبالفعل جمعت الدولة ترسانة أسلحة من الناس دون السؤال عن المصدر، هل قطعتا سلاح تصبحان حديث المدينة بين يوم وليلة؟

لم أكن أعلم أن صلاح دياب الذى كان يعالج على نفقته زميلين مريضين، ويعاون بعض العائلات المنكوبة فى العائل، ويصالح أعدى أعدائه من الصحفيين بضمه للمصرى اليوم - هو صلاح دياب دراكولا المفترس، إلا لحظة التهجم فجراً على بيته وأهل البيت نيام.

وهل النجاح فى مصر «متهم»؟ وهل الثراء «ممنوع»؟ وأليست مهمة الأمن إقرار السلام الاجتماعى وليست لإشاعة الخوف والتوجس والإحباط و«التجريس» علناً بالكاميرات؟

وسأفترض أن هناك خلافاً بين دياب والدولة على قطعة أرض من سنييين، ما المانع فى جلسة حوار؟ هل أخذ صلاح دياب قطعة الأرض فى خمس حقائب وطار للبرازيل؟ إن بعض «العلاجات الأمنية» لا يحقق أهدافه القومية المنشودة، فما حدث فى سيناء يوماً خلف تركة من الأثقال يحاربها الجيش المصرى بالدك. إن الناس مفتوحة المسام لزمن السيسى، فلا تسدوا هذه المسام كما سدوا بلاعات الإسكندرية بقطع أسمنتية عاجلت بالغرق، و.. وأنا عندى سلاح، سلاحى الأوحد «قلمى الفلوماستير» الذى أعبر به عن نفسى وأكتب «ثلاثة أمتار من السيسى»، وأكتب «أنت لا تبيع لنا الوهم، أنت ترفع سقف الطموح»، لن أخاف من رجل راهن بحياته ومازال يوم تحمل مسؤولية مصر، أخاف عليه وعلى مصر من قطرات غضب تصنع نهراً من الغضب، وأنت فى حاجة يا ريس لكل قطرة حب تصنع نهراً من الحب هو ظهيرك لا يخذلك.