صفحة سوداء فى تاريخ العلاقات المصرية البريطانية

طارق عباس الجمعة 13-11-2015 21:15

بعد 5 أيام من سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء وأثناء زيارة الرئيس السيسى لبريطانيا وفى غيبة من اللياقة السياسية والأخلاقية، يقرر البريطانيون استعداء مصر وضرب اقتصادها فى مقتل بتدمير ما تبقى من السياحة فى شرم الشيخ، وذلك عندما استبقوا التحقيقات فى أسباب سقوط الطائرة – وقبل ظهور نتائج صندوقها الأسود – وأعلنوا للعالم أن سقوط الطائرة الروسية جاء نتيجة فعل إرهابى قام به مجرمون من خلال زرع قنبلة داخل الطائرة قبيل إقلاعها من مطار شرم الشيخ، فى إشارة إلى أن سيناء لاتزال فى قبضة الإرهابيين وأن بقاء السائحين هناك فيه خطر على حياتهم وأن الإجراءات الأمنية من جانب السلطات المصرية تجاه مطار شرم الشيخ لم تكن كافية، لذلك لم يتردد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كميرون فى أن يحذر المواطنين البريطانيين من السفر إلى شرم الشيخ بل ويطالب أكثر من 20 ألف سائح بريطانى بالعودة سريعا إلى بلادهم، وهو يعلم تماما أنه بهذا الموقف العدائى سيجر وراءه رؤساء الدول الأوروبية والولايات المتحدة وإعلام غير مهنى كل شغله الشاغل هو الإساءة لمصر وهدم استقرارها والتجارة بأزماتها وتبديد مواردها وتصويرها للعالم مرتعا للفوضى والإرهاب والتطرف.

لكن هل يعنى هذا أن نستغرب ونندهش ونتعجب من موقف بريطانيا ضد مصر؟ هل يعنى هذا أن البريطانيين كانوا يذوبون فينا عشقا وحبا وغراما ثم غدروا بنا وسمحوا للعوازل بالتدخل من أجل تعكير صفو العلاقة بيننا؟.

فى الحقيقة ما قام به البريطانيون مؤخرا هو تكرار لما اعتادوا ممارسته ضدنا منذ احتلالهم لمصر عام 1882 وتسطيرهم صفحات لا تقل فى سوادها عما يسطرونه هذه الأيام، ولمن نسى أو تناسى أو تغافل، أقدم واحدة من تلك الصفحات التى تعكس عدم اكتراث البريطانيين بأى مخاطر قد يتعرض لها المصريون.

منذ 101 سنة وبعد إطلاق أحد الصربيين الرصاص على ولى عهد النمسا، تشتعل الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وحلفائها من جانب وألمانيا والنمسا وتركيا من جانب آخر، ولخطورة هذه الحرب لم يكن أمام البريطانيين سوى حشد كل طاقاتهم الممكنة من أجل كسبها، ولكون مصر واحدة من مستعمراتها فقد فرضت عليها دخول الحرب إلى جوارها واستدعت لهذا الغرض الفلاحين والعمال والتجار وكل من استطاعت من طوائف الشعب وجهزت منهم جيشا قوامه مليون ومائتا ألف جندى مصرى أسندت إليهم مهام كبيرة نجحوا فى أدائها نجاحا مبهرا، فإليهم يرجع الفضل فى التصدى للعثمانيين من الشرق وجيش السنوسى ملك ليبيا من الغرب وسلطنة دارفور من الجنوب وتحقيق انتصارات عسكرية فى شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، كما شاركت مصر على الجبهة الأوروبية بحوالى 100 ألف جندى من سلاح العمال والهجاناة وكان لهم دورهم البارز فى استعادة بلجيكا من الألمان، والغريب أن مصر قدمت للبجيكيين فى هذه المعركة مساعدات تمثلت فى: «بطاطين وألبان أطفال وأدوية وملابس جنود... إلخ». كما أقرضت بريطانيا 3 ملايين جنيه إسترلينى – بما يعادل الآن حوالى 28 مليار جنيه إسترلينى ثم انتهت الحرب بخسارة مصر بأكثر من 500 ألف جندى من خيرة شبابها أى ما يقرب من نصف الجيش، مات معظمهم فى بلاد غريبة، فهل كافأ البريطانيون مصر على ما قدمته لهم فى هذه الحرب؟.

بالطبع لا، فعندما بدأ بعض المخلصين للوطن السعى لدى إنجلترا من أجل حصول مصر على استقلالها استنادا لمبدأ الرئيس الأمريكى «ويلسون» الصادر فى 8 يناير 1918 والذى كان يقضى بحق الشعوب فى تقرير مصيرها وعندما حاول سعد زغلول ورفاقه السفر لحضور مؤتمر فرساى للسلام فى فرنسا كشفت بريطانيا عن وجهها الحقيقى وبذلت قصارى جهدها من أجل الحيلولة دون اتخاذ مصر أى خطوة للحصول على هذا الاستقلال وظلت تضع العراقيل أمام سعد ورفاقه حتى أجبرها المصريون على الرضوخ لإرادتهم من خلال أول ثورة لهم فى القرن العشرين «ثورة 1919».

إذن، فبريطانيا التى استباحت احتلال مصر أكثر من 70 سنة لن تستحى من ضرب السياحة فيها ولن تدخر جهدا فى إذلال المصريين وقهرهم، بريطانيا التى سبق أن نفت سعد زغلول ومكرم عبيد وويصة واصف وسينوت حنا لن يضيرها كثيرا إحراج الرئيس السيسى والنيل من صورته أمام المصريين والعالم، وبالتالى فاستغراب ما قام به رئيس الوزراء البيرطانى مؤخرا حماقة لا يقع فيها سوى الأغبياء، لأن سلوك المحتل لا يتغير أبدا، ومن اعتاد ظلم الناس يستحيل أن ينشغل بمآسيهم.