بالتأكيد هو أمر محزن ومؤسف للغاية، تلك الصور التى عرضتها صحيفتا الإندبندنت والديلى ميل البريطانيتان، والفيديوهات التى تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى أيضا، حول رشاوى يدفعها السياح للعاملين بمطاراتنا من مدنيين وعناصر أمن، بهدف الهروب من التفتيش، أو تخطى الدور فى الطوابير، أو أى شىء من هذا القبيل، ولذلك فقد كان من الطبيعى أن ينتهز البعض فى الداخل والخارج الفرصة لعرض هذه الصور فى آن واحد، بالتزامن مع أزمة الطائرة الروسية المنكوبة، والتى كان محورها مطار شرم الشيخ.
أراد هؤلاء وأولئك أن يؤكدوا أنه من الممكن، بل من السهل عبور حقيبة، أو صندوق، أو أى شىء آخر، يحوى قنبلة، أو متفجرات من أى نوع، فى مقابل مادى زهيد، قد يكون عشرين جنيهاً مصرياً، أو حتى إسترلينياً، جاء ذلك أيضاً بالتزامن مع قرار غريب فى الزمان والمكان، وهو المتعلق بإقالة مدير مطار شرم الشيخ بدواعى الإهمال، أو لأى سبب كان، وكأننا نؤكد الاتهام.
التساؤل المهم هنا هو: لماذا خرجت هذه الصور والفيديوهات الآن، وبهذه الكثافة، دفعة واحدة، وكأنها جزء من مخطط واسع، يتضمن انتقاماً واضحاً، ويتضمن أيضا ضرباً للسياحة فى مقتل، بل للاقتصاد ككل، وسوف أصل إلى ما هو أبعد من ذلك وهو المتعلق بسيناء تحديدا، مخططات التدويل، وفرض الوصاية، وقوات أجنبية، واحتلال، وبربطها بما يحدث فى المنطقة ككل، كأننا أمام سيناريو حرب شاملة أُعد لها سلفاً بعناية، فما بالنا إذا أخذنا فى الاعتبار أن تنظيم داعش الذى أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة، هو فى الأساس صناعة أمريكية، وهو الوقود الرئيسى لهذه الحرب. تلاحُق الأحداث والتصريحات والمواقف أيها السادة، قبل الإعلان عن نتائج التحقيقات فى حادث الطائرة، يؤكد بوضوح أن هناك شيئاً ما يحاك بمصر، لا أستثنى منه أحداً، على نظرية (كلهم خانوك يا ريتشارد)، روس وخليجيون، عرب وعجم، أوروبيون وأمريكان، حتى الداخل انطلق فى جانب كبير منه، من نظرية (عندما تسقط الدابة)، هل تجاوزنا حدودنا، هل لأننا اتجهنا شرقاً ناحية موسكو وبكين، أم لأننا حاولنا فى الوقت نفسه الاتجاه غرباً ناحية برلين وباريس ولندن، هل مازال هناك ما يمنع الجمع بين الاثنتين رغم انتهاء الحرب الباردة، أو هكذا تبدو أنها انتهت، أم أن ذلك نتاج اللعب مع الكبار، دون أخذ العم سام فى الاعتبار؟
سوف أتذكر هنا تصريحاً للسفير البريطانى فى القاهرة قبيل زيارة الرئيس مباشرة قال فيه نصاً: «هناك مفاجآت سوف تسفر عنها الزيارة، إحنا هاندوس بنزين بعد كده»، فيما فسره البعض وقتها بأنه انفتاح كبير على مصر، إلا أن الرجل لم يوضح فى أى اتجاه سوف يسير بهذا البنزين، ولم تتضح نواياه إلا من خلال أحداث الزيارة، التى علق عليها أحد الخبراء الاستراتيجيين قائلا إنها كانت بمثابة استدعاء للرئيس للنيل من مصر وشعبها.
رشوة المطارات، كما سقوط الطائرة تماما، بدا أنها مجرد حلقة فى سلسلة طويلة من أزمات متعددة يجب أن نستعد لها مبكرا، ليس بالردح واللت والعجن ومزيد من الحنجورية، وإنما بالعمل إيجاباً على أرض الواقع، بتحكيم العقل والضمير، بنبذ الفساد الإدارى، بالقضاء على الرشوة، بإصلاح أنفسنا قبل أن نطلب من الآخرين احترامنا، بأن نكون أقوياء فى الداخل، حتى نستطيع التعامل بندية مع الخارج، استمرار الرشوة فى المطارات سوف يؤدى بطبيعة الحال إلى كوارث، استمرار الرشوة فى حياتنا عموماً هو أمر بالغ الخطورة على المجتمع ككل.
إذن، لا بديل عن الإصلاح إذا أردنا مواجهة الموقف، ولا بديل أيضاً عن المواجهة، من المهم أن نضع فى الاعتبار طوال الوقت أننا نتحدث عن مصر، نتحدث عن تاريخ، وعن جغرافيا، وعن حضارة، نتحدث عن نحو مائة مليون نسمة، بالفعل نستحق أن نكون أفضل من ذلك بكثير، وعلى كل المستويات، نستحق الريادة، كما نستحق العزة والكرامة، يجب أن نتوقف طويلا أمام السؤال: لماذا فعلنا ذلك فى أنفسنا، لماذا فعلنا ذلك بوطننا، لماذا هانت علينا بلادنا.
أعتقد أننا يجب أن نستوعب الدرس، درس الخلاص من التبعية، لا الشرق سوف يحمينا، ولا الغرب سوف يطعمنا، بل من العار أن نستجدى هؤلاء أو أولئك، لنعلنها على الملأ، سوف نعتمد على إمكانياتنا، سوف نتصالح مع أنفسنا، سوف نعمل، سوف نتعب، سوف ننتج، سوف نتحدى، ذلك هو الطريق الوحيد للنهضة، لا يجب أبدا أن نقبل بعد اليوم بقتل مواطن فى الكويت وآخر فى الأردن، أو الحصول على معونة من أبوظبى، أو فرض إملاءات من السعودية، أو حتى بموقف من أى نوع من إنجلترا.
وإذا كنّا فى الداخل نتفاخر بسيديهات وفيديوهات يهدد بها بعضنا البعض الآخر، فلا يجب أن نعيب على الخارج إذا كانوا يحتفظون لنا أيضا بمثل هذه وتلك، ولتكن صور وفيديوهات رشاوى المطارات، هى المُحفز، وهى الدافع لميلاد مصر الجديدة القائمة على الأخلاق، وعلى التعاضد، دون انقسامات، ودون مشاحنات، وأعتقد أن تصريحات الرئيس فى شرم الشيخ أمس الأول تصب فى هذا الاتجاه، ويبقى التنفيذ على أرض الواقع.