لم نكن نريد أن تقدم أجهزة الضبط بوكيه ورد للمهندس صلاح دياب.. لا كنا نريد هذا، ولا كنا نريدهم أن يفرشوا له الأرض بالسجاد الأحمر.. فقط كنا نربأ بهم أن يضعوا الكلابشات فى يده، بالطريقة التى تمت، بينما هو أعزل مستسلم، لا يقاوم ولا يفكر فى المقاومة.. وأظن أن وضع الكلابشات فى يد رجل أعمال، وتصويره بهذه الطريقة، إنما يعنى أنهم وضعوا الكلابشات فى يد الاقتصاد الوطنى نفسه، قولاً واحداً!
لا تعطوه بوكيه ورد، لكن لا تصوروه بهذه المهانة.. لن ينسى المستثمرون هذه الصورة أبداً.. سوف نظل نعالج آثارها سنوات قادمة.. لم يخدم مصر من فعل ذلك.. أقسم بالله، القضية الآن هى مصر.. مصر التى يضربون سياحتها ويسعون لتركيعها اقتصادياً.. مصر التى استعصت على التقسيم، كانت أولى بالاصطفاف الآن.. القبض على صلاح دياب أحدث «فتنة» فى أوساط المستثمرين.. و«العرب» على وجه التحديد!
لا يوجد أى تجمع من رجال المال والأعمال، إلا ويقول: فيه إيه؟.. يعنى إيه؟.. إيه ده؟.. حالة ذعر تنتاب الجميع.. تكلمت مع كثيرين من الوزن الثقيل.. حالة هلع تصيب الجميع.. فالحكاية ليست أرضاً، لم يأخذها ويهرب.. ولا هى حكاية قطعة سلاح بدون ترخيص.. يعمل بيها إيه؟.. الرجل لا يحمل سلاحاً ولا يستخدمه، ولا يحرس نفسه، ولا حتى يحتاج لحراسة خاصة.. الحكاية هى أن مصر «خسرت» أكثر منه!
بمقياس المكسب والخسارة، خسرت مصر.. خسرت ففى السياحة، وتخسر فى الاستثمار.. فهل ننتظر أن نحصد ثمار مؤتمر شرم الشيخ؟.. كيف؟.. بينما نحن نضرب الاستثمار المحلى، ونصور رجال الأعمال بالكلابشات؟.. قلنا وسنظل نقول: لا يصح التعامل مع البيزنس بالكلابشات؟.. ولا يصح أن نتعامل مع الاقتصاد بإجراءات بوليسية.. هل تتخيلوا ما معنى عودة زوار الفجر؟.. معناه أننا دولة بوليسية، و«قمعية»!
لا تتصوروا أن ثورة الكُتّاب سببها أن الرجل يملك صحيفة، أو يساهم فيها.. لا، بالعكس.. الصحيفة نشرت قرار التحفظ ونشرت قرار القبض عليه وعلى ابنه.. الثورة سببها أننا كنا نحلم بطريقة أخرى.. كنا ننتظر أسلوباً آخر يحترم آدمية الإنسان.. خاصة أنه ليس إرهابياً، ولا قاتلاً، ولا مجرماً عتيداً فى الإجرام.. كان الاستدعاء يكفى.. ثم نستمر فى الإجراءات.. فهل كان الإكراه مقصوداً لذاته فى هذه القضية؟!
بالأمس، وجهت خطاباً مفتوحاً للرئيس كى أشكو له.. أتمنى أن يكون قد اطلع عليه فعلاً.. أتمنى أن يوجه فى المستقبل بعدم إهانة أى مواطن.. أتمنى أن تكون هناك تعليمات رئاسية مستديمة.. مصر الجديدة لا ينبغى أن تنتقم.. مصر الجديدة لا تشمت أبداً.. مصر الجديدة لا تكره الأثرياء.. إنما تكره اللصوص فقط.. ما نريده أن يدفع رجال الأعمال الضرائب، وما نريده أن يدفعوا حق الدولة، لا أكثر ولا أقل (!)
باختصار، خسارة مصر أكبر من خسارة صلاح دياب.. الجميع خسران.. هذا ما نريد توضيحه من اللحظة الأولى.. فلا هو زعيم المافيا، حتى يقبض عليه جيش جرار، ولا هو من عتاة الإجرام، حتى تحاصره القوات الخاصة.. لا تعطوه بوكيه ورد، ولكن الكلابشات لا تصلح بالمرة، فى مجال الاستثمار!