اعتاد محمد حسن، أحد العاملين بمستشفى المعمورة للصحة النفسية بالإسكندرية، نقل المرضى يوميا بـ«الترولى» بين عنابر المستشفى، من وإلى العناية المركزة، إلا أنه لم يدرك أن للترولى استخداما آخر بعد أن أصبح وسيلة الانتقال الوحيدة داخل المستشفى، لنقل المرضى والأصحاء بالإضافة إلى الدواء والطعام لجميع أرجاء المستشفى بعد تراكم مياه الأمطار والصرف الصحى والتى ارتفع منسوبها إلى ما يقرب من 30 سنتيمترا على سطح الأرض، لينتهى الأمر بإخلاء نزلاء المستشفى من المرضى أمس الأول، بعد أن غرق المستشفى بالكامل منذ صباح الأربعاء، حسب تصريحات صحفية للدكتور محمد زهدى، مدير المستشفى، والدكتور مجدى حجازى، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية.
ورغم وقوعها بجوار محطة الصرف الصحى ومستشفى صدر المعمورة، بشارع نبوى المهندس الذى يعد واحداً من أهم وأكبر شوارع الإسكندرية، والذى يحده الكورنيش حتى عزبة البرنس البحرية على الطريق الدولى المؤدى إلى القاهرة، إلا أن المستشفى أصبح محاصرا بمياه الصرف الصحى والقمامة بعد أن غمرته مياه الأمطار وزادت عليها مياه الصرف الصحى لمدة ٣ أيام، ما جعله عاجزا تماما عن تقديم أى خدمة صحية سواء داخله أو خارجه.
مستشفى المعمورة للصحة النفسية الذى تأسس عام 1968 يعد أكبر مستشفى للصحة النفسية بالمحافظة وأحد أكبر مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية بالجمهورية، وهو فى الوقت نفسه المركز الرئيسى لعلاج المرضى النفسيين وضحايا الإدمان من محافظات الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ومرسى مطروح والغربية.
مارينا يعقوب، طبيبة مقيمة بالمستشفى، قالت إنه منذ ثلاثة أيام «فوجئنا بعد موجة المطر الشديدة التى تعرضت لها الإسكندرية أن المياه غمرت المستشفى، بالإضافة إلى مياه الصرف الصحى، وانتاب الأطباء حالة من الذعر لأن المياه اجتاحت العنابر الموجودة بالأدوار الأرضية الممتلئة بالمرضى، نظراً لأن المستشفى تصميمه أفقى، فهو يتكون من طابقين فقط ممتدين على مساحة 14 فدانا، يشمل حديقتين للمرضى بهما ملاعب سلة وكرة قدم جميعها غمرتها المياه بالكامل، فسارعنا لنقل المرضى بالترولى إلى الأدوار العليا خوفا من انتقال أى عدوى لهم وحاولنا إنقاذ الأدوية والأجهزة بغرف العناية المركزة».
وعن التلفيات بالمستشفى قالت: «هناك ثمانية عنابر للمرضى غمرتها المياه لمسافة تتراوح بين 30 و40 سنتيمترا، بالإضافة إلى غرف العناية المركزة للمرضى النفسيين وغمرتها المياه بالكامل، وتسببت المياه فى تلف أدوية تصل قيمتها إلى 800 ألف جنيه، بالإضافة إلى غرق مكاتب الإداريين».
وأضافت أن أقسام الاستقبال والطوارئ غمرتها المياه بالكامل وأصبحت غير جاهزة لاستقبال مريضإ بالإضافة إلى تلف أرشيف المستشفى والمرضى بالكامل والذى يحوى التاريخ المرضى لكل مصاب وهو ما يعتمد عليه الأطباء فى علاجهم لمرضى المستشفى «لأنه الأساس فى التشخيص».
وأكدت أن العيادات الخارجية وعيادات التكرار وعيادة المسنين والمراهقين وجميع التخصصات مغلقة تماما بسبب تراكم المياه بها واعتبرت أن ما حدث له تأثير سلبى على وضع المرضى خاصة الذين يُصرف علاجهم شهريا من العيادات الخارجية بعد الكشف الدورى عليهم.
وتابعت: «أصبح الآن البديل أمامهم هو العيادات الخارجية فى مستشفى عباس حلمى بالعجمى أو مستشفى فرانكو بازليا فى كفر الدوار، وهو ما يستغرق مسافة تصل إلى ساعتين للوصول إلى المكان البديل».
وقالت: «هناك الكثير من المرضى لن يستطيعوا شراء الدواء نظراً لارتفاع ثمن أدوية العلاج النفسى ويعتمدون على صرف العلاج من التأمين الصحى بالمستشفى وفى حالة التوقف فهناك تهديد للمرضى بعدم استكمال علاجهم».
«المطبخ والصيدلية أغلقا بالكامل وغمرتهما المياه وهناك أزمة فى تغذية المرضى داخل المستشفى وتوفير الدواء»، هكذا قالت الدكتورة «مارينا»، مؤكدة أن مدير المستشفى يسعى بمجهود ذاتى مع الأطباء لتوفير الطعام والأدوية للمرضى دون تدخل أو اهتمام من وزارة الصحة والأمانة العامة للصحة النفسية أو المحليات ونحاول نقل الدواء والطعام بسيارات نقل بالمجهود الذاتى».
وأكد الدكتور محمد عادل، طبيب بالمستشفى، أن تراكم مياه المجارى والأمطار بالمستشفى له أثر سلبى على المرضى ويزيد من فرص انتقال العدوى، «فالمياه الموجودة هى مياه مجارى تزداد معها فرص انتقال الأمراض الجلدية»، وفق قوله.
وقال: «المستشفى لا يعمل بكامل طاقته، فكثير من الممرضين غير متواجدين والعاملون أيضا، وهناك أطباء وممرضون وصيادلة ومتطوعون للإقامة والتواجد مع المرضى، يحاولون توصيل الأدوية والطعام للمرضى عبر الترولى إلا أن هناك أزمة تواجه الأطباء خلال الأيام المقبلة بسبب نقص الدواء والطعام ونتيجة تعرض المرضى إلى حالات من الهياج وغيرها ويتعذر علينا الوصول إليهم، كما أن الممرضين المقيمين فى العنابر أصبح من الصعب تواجدهم داخل العنابر وبعضهم اعتذر عن عدم الحضور بسبب صعوبة الوضع داخل المستشفى».
أضاف «عادل» أن إدارة المستشفى حاولت التواصل مع وزارة الصحة والأمانة العامة للصحة النفسية المسؤولة عن المستشفى والحى والمحافظة وقيادة المنطقة المركزية بالمنطقة، وكان الرد أنه يصعب شفط المياه من المستشفى، وحاولوا جلب معدات وسيارات لرفع المياه ولكن دون جدوى، وللأسف منسوب المياه فى زيادة مستمرة نظراً لاختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحى، وفق قوله.
«فى عربية شفط مياه جت واستمر رفع المياه لمدة 7 ساعات لكن بدون فائدة ما دفعنا للاتصال بأسر المرضى لتسلمهم بسبب وضع المستشفى»، تقول الدكتورة «مارينا»، مؤكدة أن العنابر الجافة التى لم تصلها المياه تم تحميلها بما يفوق طاقتها الاستيعابية و«ده صعب على المرضى»، وأشارت إلى أن هناك 125 مريضا غادروا المستشفى بصحبة ذويهم خوفا عليهم من البقاء داخل المستشفى».
وأضافت: «هناك عنبر للمرضى الذين لديهم أحكام قضائية ويسمى قسم الطب النفسى الشرعى به عدد من المرضى خاطبنا مصلحة السجون لنقلهم إلى مكان آخر ولكن كان هناك تخوف من إمكانية هروبهم بسبب وضع المستشفى، وبالتالى ظلوا محبوسين داخل عنابرهم بالمستشفى».
منذ أربعة أيام لم يغادر الدكتور محمد زهدى، مدير عام المستشفى، أبنيته، ولايزال يتجول بين أروقة المستشفى الغارق وسط المياه الراكدة فى محاولة للوصول إلى حل وإنقاذ المستشفى الذى غرق بالكامل فى المياه، يقول: «حاولت التواصل مع جميع الجهات المعنية لتوفير وسائل لشفط المياه فى حادثة هى الأولى من نوعها التى يشهدها المستشفى دون جدوى».
وأضاف: «المستشفى به 750 حالة سواء مرضى نفسيين أو ضحايا إدمان وتم إخلاء 8 عنابر ونقل المرضى إلى العنابر البعيدة عن المياه، وطلبت من جميع الجهات المعنية توفير سيارة لشفط المياه وحضر مدير الأمن ورئيس الحى ومندوب المحافظة ولكن دون جدوى».
وتابع: «بعد أن حاولت إحدى السيارات شفط المياه أمس الأول فوجئنا بأن منسوب المياه كما هو، وذلك بسبب عطل بمحطة الصرف الصحى الواقعة بجوار المستشفى والتى أصبحت غير قادرة على استيعاب الصرف الصحى».
وأوضح أن هذا الوضع غير صحى للمرضى وفى حالة استمرار الوضع بهذا السوء سيتم نقل المرضى إلى أماكن بديلة ولكن لم يتحدد حتى الآن المكان البديل.