تلقيت بحزن بالغ نبأ القبض على المهندس «صلاح دياب». هذا الرجل الذى أعده- على كثرة من صادفت من الطيبين فى حياتي- من أنبل وأرقى وأصفى من عرفت. أدعو الله أن تنتهى محنته- أيا كانت- على خير. وأن يصادف نشر هذا المقال يوم الثلاثاء القادم خروجه معززا مكرما بإذن الله.
ولأن ما حدث شديد الوطأة على قلبى، فإننى أستأذن القراء أن أعيد نشر مقال سابق كتبته عام ٢٠١٢، اعترافا منى فى هذه المحنة بسابق فضله عليّ.
■ ■ ■
من أروع عطايا حياتى وأجملها «صلاح دياب». من حق القرّاء أن يعرفوا صاحب الفضل الأول- بعد الله تعالى- فى هذا العمود، أو قل هو بوسطجى السعادة الذى أرسلته الرحمة الربانية ليمطرنى- ويمطر غيرى- بالكثير من الحب.
عن «صلاح دياب» أتكلم. الرجل الذى أسس هذه الجريدة، القلب الكبير الذى يؤثر أن يتوارى فى الظل. تتوالى عطاياه وهو قابع فى الظل.
لم أكن أعرفه حين بدأت الكتابة فى «المصرى اليوم». ولا حتى حين اتصل مبديا تشجيعا كريما لمقالى الأسبوعى كل يوم اثنين. ولا حتى حين أغلقت الهاتف كنت أعلم أنه مؤسس الجريدة. ثم أمطرتنى السماء مطرة غير متوقعة حين منحنى أغلى هدية فى حياتى، وهى كتابة عمود يومى فى «المصرى اليوم».
لن أتظاهر الآن أنه كان شيئا عاديا. بصدق كان فوق ما أحلم به. أنا الذى كان منتهى أحلامى أن أنشر مقالا واحدا، تتفتح أمامى فجأة طاقة القدر. وبمقدار فرحتى كانت دهشتى: لم أكن مشهورا، ولا حتى من داخل الوسط الصحفى، ولا أملك واسطة، ولا يعرفنى معرفة شخصية. بل أنا مجرد طبيب يعشق الحرف ويتقن الدهشة ويدمن الحلم. كنت أختنق بالموهبة، شأنى شأن مئات الآلاف من المنكوبين بالموهبة فى هذا الوطن الذى يضن بفرصة.
لا أنكر أننى حلمت، وأننى تمنيت، وأننى وضعت قلبى فى كفى، ثم رفعته إلى السماء.
ولم أكن أعلم أن بوسطجى السعادة يقترب على مهل.
لن أستطيع أن أذكر لكم كم ساندنى صلاح دياب وكم احتملنى، وقد كنت لحوحا مشفقا- مثل سائر الحالمين- أن أستيقظ من الحلم.
والمعروف الذى صنعه صلاح دياب معى صنعه مع كثيرين غيرى يخطئهم العد. يوما ما سيكتبون شهادتهم فتعلمون حجم الدور الذى صنعه الرجل، ليس فى الوسط الصحفى فحسب، بل فى الحياة نفسها.
كانت مرات لقائى به معدودة ولكنى تعلمت منه الكثير. شاهدت المعدن الأصيل لرجل لم يغيره النجاح الدنيوى فعلم أن العزة لله، يأبى- أمام عيني- أن يحمل له عامل الفندق حقيبته أو يكسر خاطر من هو أدنى منه.
أنت والدور الذى ترضاه لنفسك فى الحياة. بوسعك أن تكون نافخا للكير وبوسعك أن تصبح حاملا للمسك.
أجمل الأمنيات أن يظهر فى حياتكم «صلاح دياب» الخاص بكم، يحقق لكم الأمنيات، يفعل المعروف فى صمت، عالما أن الشكر لله، وما هو إلا بوسطجى السعادة، يوزع الخطابات الملونة المثقلة بالهدايا، عطايا الرب إلى عبيد الرب.