أديرة وادى النطرون: طين وخسائر بالملايين

كتب: عماد خليل الإثنين 09-11-2015 09:14

تسببت الأمطار التى تعرضت لها محافظة البحيرة، الأسبوع الماضى، فى أضرار بالغة بأديرة منطقة وادى النطرون، التى تضم بين جنباتها أقدم أديرة الشرق الأوسط وأعرقها، وهى: «الأنبا بيشوى، والسريان، ودير البراموس»، والتى يرجع تاريخ بنائها إلى القرن الرابع الميلادى، وانهارت أجزاء كبيرة من أسوارها، وصلت إلى نصف كيلو متر فى دير الأنبا بيشوى، بالإضافة إلى تلف مزارع الأسماك والدواجن والأثاث، وتعرض بعض الكنائس الأثرية لأضرار، ومازالت أعمال شفط المياه الراكدة مستمرة، منذ الأربعاء الماضى.

اندفاع مياه الأمطار استطاع كسر الطريق الأسفلتى الداخلى، وشق طريقا له داخل أروقة دير الأنبا بيشوى، مما فرض عزلة داخلية على الرهبان والعمال، وبعضهم لم يعد يستطيع أن يدخل مساكنه، كما تضررت أجزاء من الكنائس الأثرية، خاصة فى دير السريان، وأرسلت وزارة الآثار بعثة لدراسة تلك التلفيات وكيفية معالجتها.

المياه تغرق الشارع داخل أحد الأديرة

الوصول إلى أديرة وادى النطرون بعد 4 أيام من السيول لم يكن بالسهل، فالطريق الممتد من «الإسكندرية الصحراوى» حتى مدخل دير الأنبا بيشوى كان عبارة عن بحيرة من الطين والمياه الراكدة، وقام الأهالى بعمل بعض التحويلات ليتمكن الراغبون من دخول الأديرة فى الوصول إليها، دون أن تتوقف سياراتهم.

ويضم دير الأنبا بيشوى مقرا لإقامة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، لأنه كان راهبا بالدير قبل رسامته أسقفا واختياره بطريركا للكنيسة القبطية، بالإضافة لمزار ومدفن للبابا شنودة الثالث، والكنيسة الأثرية بالدير، مما يجعله مقصدا للأقباط والرحلات السياحية، وكان يزوره الآلاف يوميا.

التقت «المصرى اليوم» بالقمص صربامون، أحد رهبان الدير، والذى اصطحبنا لمشاهدة آثار الأمطار، بينما الرهبان والعمال كانوا يواصلون سحب المياه من مزارع الدير، وأكد أن شبكات الصرف بالأديرة، وكذلك محافظة البحيرة نفسها، عجزت عن التعامل مع موجة الأمطار التى تعتبر الأقوى والأقسى منذ مجيئه للدير.

أحد الرهبان يشير إلى آثار السيول على الدير

أضاف: «الأمطار غطت كابلات الكهرباء فى الدير، ولولا العناية الإلهية لحدث ما لا يحمد عقباه، وتسببت فى انقطاع التيار الكهربائى عن الدير لمدة 13 ساعة، وفشلت المولدات الكهربائية فى العمل بسبب تضررها الجسيم، كما أفسدت المياه 15 طنا من الدقيق وكل معدات مخبز الدير الذى ينتج يوميا 20 ألف رغيف للرهبان والعمال والزائرين، والآن نقوم بشراء حاجتنا من الخبز من البحيرة أو القاهرة، وأرسل رئيس مجلس مدينة وادى النطرون ألف رغيف للدير كحل مؤقت حتى نستطيع إعادة بناء المخبز من جديد».

وتابع: «مياه الأمطار حطمت 17 باكية من سور الدير بمعدل 500 متر، وكل الأسوار داخل مزارع الدير، كما دمرت مياه الأمطار المزارع السمكية وأتلفت الأعلاف الخاصة بالمواشى».

وعن طريقة مواجهتهم للأزمة، قال القمص: «الرهبان استعملوا الجرادل ومواتير شفط صغيرة لسحب المياه، ولكن الكميات كبيرة جدا وتفوق الإمكانيات البسيطة للدير، وحتى الآن سحب المياه مستمر، وخاصة فى المزارع التى بها تجمعات كثيفة من مياه الأمطار».

وأوضح أن إحدى الشركات الخاصة ساهمت بسيارة لسحب المياه التى وصل ارتفاعها من 40 سنتيمترا إلى متر ونصف فى بعض المناطق، ولكن الأزمة تحتاج لسيارات عملاقة ومشاركة كل المحافظات فى إنقاذ الوضع بالبحيرة والإسكندرية، مشيرا إلى أن المياه أضرت «طافوس الدير» (مدفن الرهبان الأثرى)، والذى يعود للقرون الأولى من تاريخ المسيحية، ومستواه أقل من مستوى الدير، ويقع فى مكان منخفض ولا يوجد له مكان لصرف المياه.

ونوه «صربامون» إلى أن هناك أكثر من 350 شابا من العاملين والشباب القبطى الذى يقضى خلوة روحية، بالإضافة لأكثر من 200 راهب، جميعهم يساهمون فى سحب المياه، وطالب الحكومة بالتعامل بجدية أكثر مع تلك الحوادث الطبيعية، مضيفا: «نعلم جيدا حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المحافظين، ونصلى لله أن يوفقهم».

وأكد الراهب أوغسطينوس، المسؤول عن العمال بالدير، أن العمال ينامون فى الكنيسة ولا يستطيعون المبيت فى غرفهم التى غمرتها المياه، ويحاولون سحب المياه عن طريق سيارة واحدة وبعض مواتير الشفط ذات الإمكانيات المحدودة، مشيرا إلى أن الدكتور محمد سلطان، محافظ البحيرة، زار المكان ووعد بإرسال سيارات لسحب المياه، ولكنها لم تصل إليهم.

أضاف: «أنقذنا العمال من مساكنهم باللودر، حيث كان وحده القادر على السير فى ارتفاع المياه الذى وصل لمتر ونصف، وخفنا عليهم من الحركة فى ظل وجود كابلات للكهرباء»، لافتا إلى أن البنية التحتية للدير من كهرباء ومرافق واتصالات وشبكة تليفونات داخلية دمرت بالكامل، وحتى الهواتف المحمولة لم تعد تعمل كالماضى، بسبب تضرر شبكات المحمول وخروج الدير عن التغطية، والخسائر المادية تقدر بملايين الجنيهات.

أما مزار البابا شنودة الثالث، فقال الراهب المسؤول عنه، لـ«المصرى اليوم»: «إن أرضية المزار الرخامية كان لها الفضل فى حمايته، وتم سحب المياه منه بالاستعانة ببعض صناديق القمامة الحديدية والجرادل، وساهم عدد كبير من الشباب والعاملين فى الدير فى الحفاظ على المزار».

انتقلنا من دير الأنبا بيشوى إلى «دير السريان الأثرى»، وأكد القمص قزمان السريانى أن الدير حدثت به بعض التلفيات، ولكن قبة الكنيسة لم تسقط كما روج البعض فى مواقع التواصل الاجتماعى، لافتا إلى أنهم استعانوا بسيارتين تابعتين لإحدى شركات المقاولات الخاصة، فى مساعدة العمال والرهبان على سحب المياه.

وقال الأنبا متاؤس، أسقف ورئيس الدير، الذى كان يجلس على كرسى خشبى بسيط بجوار العمال يتابع عمليات سحب المياه ويشجعهم: «الخسائر المادية فادحة، وآثار الكنيسة لا تقدر بثمن، وقد انهار سطح إحدى القباب وحدثت شروخ بقباب وسقف الكنيسة وبسقف مغارة الأنبا بيشوى الأثرية، وتلف كل موكيت وأثاث الكنيسة».

أضاف أن الأمطار تسببت فى هبوط أحد حوائط كنيسة الأربعين، وتسرب المياه إلى داخلها، وتلف حوائط كنيسة المغارة الأثرية وانهيار أجزاء من المحارة، ووصل ارتفاع المياه فى كنيسة الأنبا كاراس إلى 30 سنتيمترا، مما أتلف الموكيت والسجاد، كما أتلفت أرضيات كنيسة الأنبا صموئيل، وسقطت المياه داخل كنيسة الملاك من السقف، كما تضررت كنيسة الأنبا أنطونيوس بسبب صعوبة الوصول إليها، لأنها فى مكان منخفض، ووصلت المياه داخلها لنصف متر، وأتلفت الأرضيات من موكيت وسجاد، وأنهار سور كنيسة الأنبا متاؤس الفاخورى بالكامل، وغرق وتلف الموكيت والأثاث الخاص بها.