ورقة أسئلة وإجابة تخصُّ أحد التلاميذ فى إحدى مراحل التعليم الأساسى. جاء السؤالُ يقول: «ماذا يُقصد بالذهب الأسود». وبعيدًا عن خطّ التلميذ الردىء، جاءت إجابته ركيكة ماكرة: «لا أعلم، وأرجو المعذرة لأنى كنت مع أمى مريضة بالمستشفى». (لاحظوا الخبث والحيلة التى أدرك فنونَها الطفلُ الصغير قبل أن يُدرك معلومات كتابه المدرسىّ!). س: «عدِّد أنواع الأسماك». ج: «سمك مقلى ومشوى وعلى الفحم وسمك بالفرن». (لاحظ مهارة الطفل فى فنون المطبخ وأساليب الطهو قبل تعلمه مهارة قراءة دروسه واستيعابها!) س: «ماذا تعرف عن البحر الميت؟» ج: «كان مريض وبعدين مات والله يرحمه ويرحم أمّة المسلمين جميعًا» (لاحظ العنصرية المبكرة التى تكوّنت داخل الطفل الصغير، قبل أن يتعلم واجبه المدرسى!). س: «ما هى فوائد الجمبرى؟» ج: «يجيب حرارة للجسم، يقوى الركب، يزيد من فرص الإنجاب والخلفة، مفيد للمتزوجين». (لاحظ معلوماته الجنسية المبكرة التى تكوّنت داخل الطفل قبل أن يتعلم كيف يذاكر دروس منهجه!).
ورقة إجابة أخرى تداولتها أيضًا مواقعُ التواصل الاجتماعى، ولكنها هذه المرة خفيفة الظل، تدعو للابتسام قبلما تدعو للحزن والرثاء. س: «بماذا صوّر الشاعرُ البيت الشعرىّ السابق؟» ج: «صوّره بكاميرا جلاكسى نوت تو». س: «ماذا فعل الفُرس بعد خروجهم من البحر؟» ج: «قاموا بتجفيف ملابسهم». س: «للغيب مفاتيحُ لا يعلمها إلا الله. اذكر ثلاثة منها». ج: «أنت تقول لا يعلمها إلا الله، أعرفهم أنا ازاى؟ يا أستاذ يا متعلم!!!».
بعيدًا عن خفة ظل التلميذ وسرعة بديهته فى الخروج من المأزق، وكذلك فراسته التى تنمّ عن ذكاء وإن سار هذا الذكاءُ فى المسار الخطأ، إلا أن الملاحظة العامة أن التعليم فى بلادنا يمر بحال رِدّة وانحطاط يدعو للحزن ويستوجب التوقّف. وهذا شأن التعليم القائم على «حقن المعلومة فى الدماغ» وليس على «كيفية تشجيع هذا الدماغ على العمل والإنتاج الذهنى الخلاق». التعليم النقلى يُكرّس حفظ المعلومات وتردادها كما الببغاء، فى حين التعليم العقلى يعتمد إعمال العقل وإنتاج المعلومة والفكر والابتكار. التعليم فى بلادنا الرجعية يُكرّس حشو الرؤوس بالتواريخ والأحداث والغزوات والحروب وأسماء البشر، وكلّها وأكثر يمكن أن تضمها شريحةٌ إلكترونية صغيرة من النحاس بحجم عقلة الأصبع! بينما لا تستطيع تلك الشريحة أن تستنتج الأفكار والفلسفات التى تكمن وراء تلك الأحداث وفى رؤوس تلك الأسماء التاريخية. بلاد الغرب الكافر يعلّمون أبناءهم كيف «يفكرون»، بينما فى بلانا المؤمنة نعلم أولادنا كيف «يحفظون». لهذا ينتهى الحال بأطفالنا المتوسطين أن يكبروا دون مقدرة حقيقية على التفكير والإبداع والابتكار وتحطيم الشرانق النقلية البالية، وينتهى الحال بأطفالنا الأذكياء أن يكبروا وقد أتقنوا فنون الفهلوة والتذاكى والمكر السلبى غير الصحى. فى ورقتى الإجابة السابقتين، نجد النموذجين بكل جلاء. طالب بليد غير ذكى لجأ إلى الركاكة الفكرية والخبث الساذج. وطالب ذكى خفيف الظل لم يُستفَد من إمكاناته الذهنية. وكلاهما ضحية التعليم المشوش فى بلادنا السعيدة. أسفى على أطفال بلادى ضحايا التعليم القشرى المتدنى.
Twitter: @FatimaNaoot